في لفتة مميزة تتزامن مع اليوم العالمي لحقوق الطفل، تحولت باحات مدرسة الشريف الإدريسي إلى مسرح حيوي للبهجة والتعلم. نظمت المدرسة فعالية احتفالية غير تقليدية، هدفت إلى غرس مفاهيم حقوق الطفل في نفوس الصغار بطريقة مبتكرة وممتعة، بعيداً عن أساليب التلقين التقليدية.
اللعب.. استراتيجية تعليمية
تؤمن المرشدة النفسية بالمدرسة، الأستاذة أميرة جودة، بأن الاحتفال بيوم الطفل يجب أن يتجاوز مجرد الكلمات ليلامس واقعهم ويترسخ في وجدانهم. وفي تصريح خاص لصحيفة “الثورة”، أكدت جودة أن “الاحتفال يجب أن يكون عن طريق اللعب ليتعلم الطفل ويندمج ويحصل على أكبر أثر”. هذا النهج ليس ترفاً، بل هو استراتيجية تعليمية مدروسة تهدف إلى تحقيق أقصى استفادة نفسية وتربوية.
حق كل فرد
انطلاقاً من مبدأ أساسي مفاده “حق كل فرد في المجتمع أن يلقى رعاية واهتمام لاستثمار كل ما لديه من قدرات وطاقات وإمكانات تحقيقاً لذاته”، شددت الأستاذة جودة على الدور المحوري للأنشطة المدرسية. هذه الأنشطة ليست مجرد فعاليات تكميلية، بل هي جزء لا يتجزأ من العملية التربوية التي تساهم في اندماج الأطفال مع زملائهم وتعزيز شعورهم بالانتماء.
تعد الأنشطة المدرسية، بحسب جودة، بمثابة الورشة التي تسهم في بناء شخصية متكاملة للتلميذ. فهي لا تكتفي بتقديم المعلومات، بل تتجاوز ذلك إلى صقل المهارات الاجتماعية التي تمكنهم من التفاعل الإيجابي، والمهارات الإبداعية التي تطلق العنان لخيالهم، والمهارات القيادية التي تعدهم ليكونوا قادة المستقبل. كما أنها تعزز الثقة بالنفس، وتغرس قيم المسؤولية والتعاون واحترام الآخرين، وتساعد في اكتشاف المواهب الكامنة وتنميتها بشكل إبداعي، وتتيح فرصة ثمينة للتعبير عن الذات وتفريغ الانفعالات بشكل إيجابي وصحي.
تجاوز الخجل والانطواء
من أهم الآثار الإيجابية للأنشطة اللامنهجية هو دورها الفعال في التخفيف من حدة السلوكيات السلبية كالانطواء والخجل. فعندما يشارك الطلاب في فعاليات جماعية قائمة على المرح، تتنامى لديهم روح المنافسة الشريفة والابتكار. وتلاحظ المرشدة النفسية أن “استجابة الطلاب لهذه الأنواع من الأنشطة تكون إيجابية وحماسية بشكل ملحوظ”، لأنها تقدم الموضوعات المطروحة في قالب جذاب يجمع بين الألعاب والألوان والموسيقى.

تثبيت المعلومة.. أثراً
إن استخدام أكثر من عنصر (سمعي، بصري، إدراكي) في آن واحد خلال الأنشطة التفاعلية، يعمل على تثبيت الموضوعات بشكل أعمق وأكثر ديمومة في ذاكرة الطالب. هذا النهج المتعدد الحواس يجعل المعلومة ليست مجرد حقيقة تحفظ، بل تجربة تعاش. إضافة إلى ذلك، فإن إشراك الطالب في هذا النوع من الفعاليات يمنحه جرعة كبيرة من الثقة بالنفس، وينمي لديه نظرة الفخر والاكتفاء الذاتي بإنجازاته.
تصف الأستاذة جودة التجربة التعليمية التي تجمع بين المرح والإبداع بـ “التعلم العملي”، وتؤكد على أثره الكبير والبارز في تنمية شخصية الطالب الشاملة. هذا النوع من التعلم لا يقتصر على المعرفة الأكاديمية، بل يدرب الطالب على مجموعة واسعة من المهارات الحياتية الضرورية، منها: مهارات التواصل الفعال، مهارات الاشتراك الجماعي، مهارات الابتكار والتفكير خارج الصندوق، مهارات الثقة بالنفس وتمكين الذات، مهارات التنظيم والتخطيط، ومهارات الإلقاء والتعبير اللغوي والجسدي التي تعد أساساً للتفاعل الاجتماعي الناجح.
خارج الغرفة.. حرية التعليم
بكل حزم، تؤكد المرشدة أميرة جودة أن اختيارها ينصب على تقديم المواضيع الهامة كحقوق الطفل في باحة المدرسة عبر الأنشطة التفاعلية، بدلاً من إلقائها كدروس تقليدية داخل الغرفة الصفية. “أنا أختار الثاني لما له من فاعلية وتأثير وتأثر متبادل لدى التلاميذ”. يتحرر الطالب في هذه المساحات المفتوحة من جدران الغرفة الصفية، ومن قوانينها الصارمة، وحتى من رهبة المعلمة.
بلا قيود.. بلا خجل
وختمت جودة انه في الباحة الواسعة، ومع الألعاب البصرية والألوان الزاهية والموسيقى الحيوية والحركات التعبيرية، يجد الطالب نفسه في بيئة تعليمية بلا قيود. هذه الحرية والمساحة المكشوفة تعمل جميعها على تثبيت المعلومات لديه بشكل عضوي وطبيعي. في هذه الأجواء، يتخلص الطالب من شوائب الخجل والانطواء، ومن الشعور بأنه مراقب، مما يمنحه فرصة ذهبية ليكون على طبيعته. هنا، يكون التعليم له الأثر الكبير، وتصبح المعلومات جزءاً لا يتجزأ من وعيه وذاكرته، دليلاً على أن المرح والتعلم يمكن أن يلتقيا ليصنعا جيلاً واعياً ومتمكناً.
بقلم : هبة علي









