بعد عامين تقريباً من إغلاق المدارس، في مختلف أرجاء العالم وذلك ضمن الإجراءات المتبعة للوقاية من كوفيد _19، وتغيير أنماط الحياة للبشر وبخاصة الأطفال، إذ بقوا في البيوت بسبب الحظر المفروض، تكوّن لديهم الفراغ الكبير، و قلة النشاط الذي هم بأمس الحاجة إليه، وعدم قضاء الوقت بالشكل الأمثل في أشياء مفيدة، خصوصاً مع توفر شبكة الإنترنت والاتصالات، التي تقرّب كل بعيد، بدت تظهر لديهم العادات السيئة، من كثرة النوم و الأكل، وقضاء جلّ أوقاتهم، أمام التلفاز والهواتف الذكية، دون أدنى رقابة عليهم.
أم أحمد، التي فقدت زوجها في الحرب في سوريا، وقد نزحت مع أطفالها الأربعة إلى تركيا، تعمل في الزراعة مع بعض النسوة اللواتي تعرفت عليهن في حارتها، تخرج منذ الصباح إلى ما بعد الظهر لعملها، تقول: “الأولاد اليوم قل احترامن لأي شخص كبير، عم .. خال.. ماعاد همن غير اللعب و الأكل يلي مابينفعهن”
و يبدو من كلمات أم أحمد العجز الواضح من خلال تعاملها وتربيتها لأولادها وانتصار شغبهم على إرادة أمهم، تستكمل كلامها: “اليوم الولد مابتعرف شو عم يساوي، أوّلي في مدرسة في شي يشغلو وبنفس الوقت يتعلم الأداب والأخلاق، حتى الجوامع كنا نبعتهن عليها بالعطل هلق ماضل”
وتنهي قولها بحسرة كبيرة: “أنا ما أحسن عليهن، كان حلمنا أنا وأبوهن يطلعوا دكاترة.. مهندسين!”
أما الأنسة هدى فهي معلمة، في إحدى المدارس تعلم اللغة الإنكليزية تقول: “وقت تسكرت المدارس كانت أسوأ من المرض نفسو خصوصاً يلي مناعتهن قليلة، أعني مناعة العلم ضد الجهل، هدول الأطفال رح يموتُوا و يمَوتو غيرن معن، هدول مابينفع معن أي لقاح، إلا لقاح الورقة و القلم، و الرجوع للمدرسة”
وعلامات الأمل تبرق من بين عينيها..
الأنسة هدى.. قامت مع أولادها الثلاثة بإنشاء صف دراسي مصغر، داخل بيتها، و الناظر له يعتقد أنه بالفعل داخل صف مدرسة، ينقصه فقط سماع رنين الجرس بصوته الرنان الذي يقطع سكون المكان ويملأ فضاء الكون بابتسامات الأطفال و ركضهم ، معلناً انتهاء الحصة، وأخذ وقت من المرح للأطفال بعد جهدٍ وجد، لم تغفُ عيونهم ولن تغفُ عن رؤية الجمال و شم شذا الكلمات و الحروف، داخل كتبهم الباسمة كثغورهم.. اليوم تنتظرهم مقاعدهم، ملاعبهم في الحديقة..
تنتظرهم كومات الرمل التي يقعون عليها، وحبّات الحصى التي تبصم بأثارها على أجسادهم.
علاج الجهل يكون بأيدينا، إن أردنا حياة سليمة معافاة، في تكوين جيل متعلم متسم بأخلاق المجتمع و آدابه، راسماً لهم طريق السلامة والنجاح..
قصة خبرية/ طارق الجاسم
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع