منذ خمس سنوات أدت الحرب الدائرة في سوريا إلى نزوح أكثر من 12 مليون سوري من بينهم خمسة ملايين في الخارج، مما شتت العديد من العائلات. وهذا ما حدث مع أنس الأيوبي الذي اضطر للرحيل من بلده عام 2011 تاركا خلفه ابنته التي يتمكن من رؤيتها مرة أخرى إلا بعد خمس سنوات.
في آذار/مارس الماضي انتهى الانتظار…وكان ذلك في أحد المتاجر الكبرى. وقرر أنس الأيوبي تصوير لقائه بابنته. نشر الفيديو في البداية على صفحة فيسبوك الخاصة بأنس، لكنه أصبح متداولا على نطاق أوسع منذ بضعة أيام.
“عائلات سورية كثيرة مشتتة وقد أردت أن أظهر للناس أن الأمل في اللقاء موجود”
أنس الأيوبي
كنت أعيش في دمشق في حي شعبي أغلبية سكانه من الأكراد وهو حي يعاني من التهميش والتمييز من طرف النظام الحاكم. أنا مطلق ولي ابنة اسمها ماريا. عام 2011، عندما اندلعت الثورة خرجت إلى الشارع للتظاهر سلميا ولكن عندما بدأ النظام يطلق النار على المتظاهرين رفضت حمل السلاح والالتحاق بكتيبة شكلها بعض أصدقائي.
لكن بسبب نشاطي من أجل الديمقراطية أصبحت مطلوبا. فقررت الرحيل. ذهبت إلى الإمارات العربية المتحدة، ثم إلى تركيا ومن هناك حصلت على تأشيرة طلب لجوء لفرنسا. واستطعت الاستقرار في باريس. وخلال كل هذه السنوات حافظت على الاتصال بابنتي التي كان عمرها لا يتجاوز السنتين عندما اضطررت للرحيل من سوريا. كنا نتحدث عبر واتساب أو ميسينجر أو فايبر. وكانت تكبر بعيدا عني لكنني بقيت قريبا منها.“كنت كلما استطعت، أشتري لها هدية”
عندما ساء الوضع في سوريا، قررت عائلة طليقتي بدورها المرور من تركيا للوصول إلى اليونان بالمركب، ثم طلب اللجوء أخيرا في ألمانيا. كنت طول الوقت قلقا على ابنتي عندما تركتها في سوريا. وصولها إلى أوروبا كان مريرا. وكنت أعدّ الأيام حتى لحظة اللقاء. كنت مشتاقا كثيرا لابنتي. وكنت كلما استطعت أشتري لها هدية. وعندما قررت مفاجأتها بالزيارة في ألمانيا، كان في جعبتي هدايا عديدة وكنت مثل بابا نويل!
أردت أن أصور لقاءنا لأن الكثير من العائلات السورية مشتتة. وأنا أردت أن أقول إن الأمل باللقاء موجود دائما. بكى كثيرون عند مشاهدة هذا الفيديو. ووصلتني رسائل عديدة.
وأنا أتفهم مشاعرهم. جزء آخر من عائلتي ما زال داخل سوريا. لكنني أشعر بفرحة غامرة بلقاء ابنتي بعد كل هذه السنواتصديقي الذي استضافني في ألمانيا هو من صور مشهد اللقاء. اتفقنا أنا ووالدتها، إذ علمت أنهما ستذهبان للتسوق ذلك اليوم وفي أي متجر. واتصلت بها عندما وصلت لكي أعرف مكانهما. فأخبرتني أنهما “في قسم الشامبو”. وهنا، التفت إلى ابنتي وكانت صدمة لها مثلي تماما! ضممتها وشممت رائحتها…كانت قريبة مني….وكان شعورا رائعا! كانت تظن أنني سأزورها بعد شهر، وإذ رأتني أمامها. كان الأمر يبدو كالحلم، لكنه حقيقة!قضينا اليوم معا. أخذتها إلى أحسن مطعم في المدينة وتناولنا البوظة (المثلجات) وأعطيتها أجمل الثياب التي كانت تريدها…لم أستطع أن أرفض لها أي طلب! أردت أن تعرف كم أحبها، وكم اشتقت إليها.
بقيت معها أسبوعا، ثم عدت إلى باريس. وسأراها بانتظام وأنوي إحضارها إلى باريس كي ترى هذه المدينة التي تعلقت بها.فرانس24