وقفت “حنين” (17 عاماً) بالقرب من حافلات النزوح التي ستقلهم من حيّ “القابون” نحو واقع جديد، راقبت بعيون تملؤها الدموع، كومة من الحجر هنا وبقايا منزل هناك وفسحة من الأرض كانت سابقاً ملعباً لأطفال الجوار، تحدثت لأخيها كمن يوجّه وعداً “لن يطول بنا الزمن حتى نعود، ستبارك عودتنا أرضنا التي تعبت من جثامين الشهداء”.
دفعة أولى من المدنيين ومسلحيّ فصائل المعارضة خرجت من حيّ القابون شرقي العاصمة دمشق نحو الشمال السوري، تضم قرابة 1500 من المدنيين ومقاتلي المعارضة المسلحة.
ذاك التطور يأتي بمقتضى اتفاق ينفذ على عجل بين النظام والمعارضة من شأنه سيطرة النظام على حيّ القابون بعد اتمام بنوده، حيث لا جديد في ذلك الاتفاق مقارنة بما سبقه في (حيّ برزه وتشرين)، تلك الأحياء التي كانت تشكل شريان حياة للمناطق الخاضعة لسيطرتها وذلك عبر أنفاق حفرت من الجانبين، تنقل من خلالها المواد الغذائية وغيرها من الاحتياجات الضرورية، مما يضاعف الحصار نتيجة السيطرة عليها من قبل قوات النظام.
راقب “مازن” أخته التي غصت بكلمات الوداع، هو يعلم ما تشعر به، فحرقة القلب لا يعني الهزيمة، كون النزوح اختيار للإنسان على الحجر، فما قيمة الأم بلا أبناء، وكانت آخر كلماته وهو يصعد الحافلة “سنعود ولو بعد حين”.
مساومة بشعة فرضها النظام على الأهل في دمشق بتقديم عرضهم الأخير ، فاستمرار الحياة يعني التخلي عن الأرض بمفهوم النظام، فأوصى بالاتفاق والاتفاقات السابقة على التهجير القسري والبقاء أحياء من جهة والتدمير والقتل والحصار من جهة أخرى، ناهيك عن استثمار النظام لهذه المكاسب على الأرض في الاستحقاقات السياسية وخاصة أن العاصمة دمشق تحسب فيها أهمية السيطرة بالأمتار.
على الرغم من اختيار الأحياء الثلاثة لبوابة دمشق، النضال وسيلة للعيش والبقاء على الأرض ورغم كل المعاناة التي عاشوها، يستكمل اليوم فصول حكاية التهجير فمن الحصار والجوع إل النزوح والتهجير.
لم تنفع النداءات ولا استغاثات الحصار التي أطلقها الأهالي في تلك الأحياء ومن قبلهم آلاف من أهالي الغوطة الشرقية، يناشدون المجتمع الدولي بحل أزمتهم لكن أصواتهم توقفت عند جدران الصمت الذي اتخذه المجتمع الدولي موقفاً له.
“أبو نضال” من سكان الحيّ قال كلماته قبل الوداع “يعتقد النظام أنه حقق نصرا علينا، منعنا من حملّ ما هو غالٍ وثمين، لكن لم يدرك أننا حملنا معنا عشق الأرض وذكرياتنا التي امتزجت بتراب الأرض المشبع بدماء الأبرياء”.
بعد وصول المهجرين إلى الشمال السوري (إدلب) الخاضعة لسيطرة المعارضة، يبقى السؤال المطروح بقوة، أي مصير ينتظر الأهالي المهجرين بعد سياق الاتفاقات التي يطلق عليها النظام “المصالحات الوطنية” على أنها إحدى النتائج الايجابية حسب منظوره لمذكرة “خفض التصعيد” التي وقعت في وقت سابق في العاصمة الكازخستانية “أستانا”؟!.
المركز الصحفي السوري – بيان الأحمد