في الوقت الذي تغوص فيه لبنان في أزمتها الاقتصادية والسياسية أكثر فأكثر، بدأ العديد من اللبنانيين حزم أمتعتهم والاستعداد لمغادرة البلاد، ومن لا يجد فرصة للهجرة فإنه سيعاني نقصا في كل شيء، من الدواء إلى الغذاء والكهرباء.
بهذه المقدمة مهدت صحيفة لاكروا الفرنسية لتحليل من جيني لافون صالح في بيروت، قالت فيه إن استمرار الأزمة الاقتصادية ينشر الخراب في البلد، حيث انخفضت القوة الشرائية وارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 72% بين أكتوبر/تشرين الأول 2019 وأواخر مايو/أيار الماضي، وفقا لجمعية حماية المستهلك.
واستعرضت الكاتبة حالة الشابة عبير التي قالت لها في مطار بيروت وهي تجر أمتعتها استعدادا لمغادرة البلاد “سأغادر وأنا حزينة، ولكن ليس لدي أي خيار آخر”، وتضيف عبير التي تعكس نظراتها الحزينة معاناة كبيرة إن “هذا البلد كارثة. لقد اعتدنا على انقطاع التيار الكهربائي والفساد، ولكن لم يعد هنالك أمل”.
الأخبار السيئة في تزايد
وتسافر عبير عائدة إلى دبي بعد أن تقطعت بها السبل منذ 3.5 أشهر في لبنان، مبدية قلقها على والديها اللذين تركتهما خلفها وعلى أختها التي تواصل دراستها الجامعية، مشيرة إلى أنها يمكنها أن ترسل لهم من دبي ما يكفي لدعمهم بالدولار، بعد أن جُمدت مدخرات والديها بسبب القيود المصرفية.
وأشارت الكاتبة إلى أن الحكومة طلبت مساعدات من صندوق النقد الدولي، ولكن المفاوضات لم تصل إلى شيء، في وقت ينتظر الناس فيه للحصول على الوقود وتتزايد فيه انقطاعات التيار الكهربائي.
وفي خضم الأزمة -بحسب ما تقول الكاتبة- تتزايد الأخبار السيئة، حيث قال الجيش إن اللحم الذي اختفى منذ فترة بالنسبة لعائلات كثيرة، قد اختفى أيضا من أطباق “الجنود أثناء خدمتهم”.
وتقول صفحة “لبنان يقايض” بعد أسبوعين من إنشائها على فيسبوك، إن أكثر من 12 ألف مستخدم مستعدون لمقايضة ثوب سهرة بحليب أو حفاظات أطفال أو زيت أو أدوية، وإن عمليات سطو ترتكب لا لشيء إلا للحصول على الطعام فقط.
وقالت الكاتبة إن شابين انتحرا يوم الخميس الماضي وحده، أحدهما في بيروت والآخر بالقرب من صيدا، وقد تركا رسائل تشير بشكل واضح إلى صعوباتهم المالية.
وفي اليوم التالي، حمل أبوان طفلهما المريض الذي لم يتجاوز 9 أشهر إلى شركة الكهرباء في البحصاص شمال البلاد، مطالبين بتمكينهما من توصيل جهاز التنفس الصناعي بعد أن انقطع التيار الكهربائي في منزلهم.
لا أمل
ويبدو أن التدهور السريع في الوضع إلى جانب عدم وجود أي أمل في الحل -كما تقول الكاتبة- بدأ يغري بالهجرة من يستطيعون، خاصة بعد أن اضمحل الأمل الذي ولد مع الانتفاضة الشعبية في أكتوبر/تشرين الأول 2019 ضد الفساد، وإن كانت هجرة الأدمغة ليست جديدة في بلد كلبنان لديه جاليات كثيرة في مختلف أرجاء المعمورة.
ويقول مروان (28 سنة)، وهو مهندس عاطل عن العمل يسعى للهجرة خلال أسابيع قليلة إلى كندا للالتحاق بعائلته هناك، “أغادر دون أن ألتفت، على أمل بناء مستقبل هناك. الشيء الرئيسي بالنسبة لي هو إيجاد الاستقرار والراتب الذي يتيح لي تحقيق مشاريعي. لا مستقبل هنا”.
ومثل هذا الشاب، تدفع الأزمة كارلوس (23 سنة) إلى الاستقرار في فرنسا إذ حصل على تأشيرة للانضمام إلى كلية إدارة الأعمال، وهو يقول “أريد أن أبني نفسي وأجد وظيفة تتماشى مع مهاراتي”، ويضيف مبديا قلقه على عائلته الباقية في لبنان، “لا أستطيع أن أرى والداي وأشقائي يتضورون جوعا. جسدي سيكون في فرنسا لكن قلبي سيظل هنا”.
أما هبة وزوجها وأطفالهما الثلاثة، فسيتوجهون إلى الولايات المتحدة في أغسطس/آب المقبل، وهي تقول “نحن نعيش في قلق من عدم القدرة على توفير الضروريات الأساسية لأطفالنا، كالصحة في وقت بدأت فيه المعدات الطبية تختفي، وكالتعليم في وقت من المرجح فيه أن تغلق المدارس.
وتضيف هبة الناشطة في الانتفاضة الشعبية “هذا هو القرار الأكثر صعوبة في حياتي، ولكن لا يمكنني النضال من أجل لبنان إذا لم أستطع البقاء على قيد الحياة. أريد أن أتمكن من العودة أقوى وأنقل هذا إلى أطفالي”.
نقلا عن الجزيرة