بقي على الاستفتاء الذي اقترحته حكومة إقليم شمال العراق بشأن الاستقلال عن العراق شهر ونصف. ولكن مع اقتراب موعده المقرر في 25 سبتمبر/ أيلول تزايدت إشارات عدم الارتياح الصادرة من جارتها الشمالية القوية، تركيا.
كان الموقف الرسمي لوزارة الخارجية التركية هو أن التصويت “سيضر بالاستقرار الإقليمي”. لكن بعض السياسيين الأتراك طرحوا القضية بشكل أقوى. وقد طرح محمد غونال نائب رئيس حزب الحركة القومية، وهو حليف وثيق لحزب العدالة والتنمية الحاكم، إمكانية تدخل تركيا بصورة ما، على غرار عملية درع الفرات، التي بدأت قبل عام وتوغلت فيها تركيا في الأراضي السورية.
وقال غونال: “علينا أن نفعل الشيء نفسه بالنسبة للموصل وكركوك وفي تل عفر أيضا، مضيفا أنه يعتقد أن معاهدة عام 1926، التي أنشأت حدود العراق الحديث، تمنح تركيا الحق القانوني في القيام بذلك.”
وقد أعلن الرئيس، رجب طيب أردوغان، معارضته للاستفتاء، ويبدو واضحا أنه من غير المرجح أن يتغير ذلك.
كيف أصبحت حكومة إقليم شمال العراق شريكا لتركيا
ليس من الصعب أن نرى لماذا قد تشعر أنقرة بالقلق الشديد إزاء احتمال انجراف حكومة إقليم شمال العراق نحو النزعة الانفصالية، والتفكك الرسمي المحتمل لجارتها.
وعلى الرغم من أن أنقرة لديها كثير من المصالح المشتركة مع الأكراد في شمال العراق، حيث إن تركيا هي طريقهم الرئيسي إلى العالم الخارجي، إلا أن اهتمامها يتركز كذلك مع وحدة الأراضي العراقية.
كانت تركيا ملتزمة دائما بالحفاظ على وحدة العراق، على الرغم من أن علاقاتها مع بغداد كانت في سيئة غالبا خلال العقد الماضي. وعلى النقيض من ذلك، ازدهرت علاقاتها مع حكومة إقليم شمال العراق في أربيل ازدهارا لم يكن متوقعا من قبل.
على مدى عدة عقود شعرت تركيا التي يعيش فيها عدد كبير من الأكراد، بالقلق إزاء نمو الحركة الكردية في شمال العراق. ولكن خلال العقد الماضي، عملت الدولة الكردية، المستقلة ذاتيا بحكم الأمر الواقع، كشريك اقتصادي وسياسي وثيق، وحتى حليف لتركيا، مع الزيارات المتكررة التي لاقت ترحيبا كبيرا من أنقرة للرئيس مسعود البرزاني، حتى أن البرزاني وأردوغان، رئيس وزراء تركيا آنذاك التقيا في نوفمبر/ تشرين الثاني 2013 في ديار بكر وألقيا خطابا هناك.
ولكن مثل هذا اللقاء، حتى لو استمرت علاقات العمل بين الجانبين، لن يُسمح به لحكومة إقليم شمال العراق بعد الاستقلال. وقد ينتهي على الأرجح الغرض من حكومة الإقليم بوصفها نموذجا ودودا ومقبولا وبديلا لأكراد تركيا من التشدد الراديكالي في حزب العمال الكردستاني.
وإذا نحينا ذلك جانبا، نجد أن الروابط الاقتصادية والتجارية بين تركيا وحكومة إقليم شمال العراق قوية إلى حد أنها وصفت بأنها من قبيل “الكومنولث”. وتعد حكومة الإقليم من كبريات الأسواق للصادرات التركية، وترتبط بتركيا من خلال خط أنابيب كركوك – الإسكندرونة الذي يبلغ طوله 970 كيلومترا، وأنجز في أواخر السبعينيات. وقبل خمس سنوات شيدت حكومة الإقليم أيضا خط أنابيب يحمل النفط الخام من حقول النفط الكردية إلى تركيا.
وحيث إن حكومة إقليم كوردستان لا تصدر لتركيا شيئا آخر سوى النفط، فإن خط الأنابيب يعطي تركيا القوة، إذا اندلع أي نزاع ،على الرغم من أن أنقرة لا تستخدم عادة إمدادات الطاقة لحل النزاعات السياسية، وقد تكون غير راغبة في القيام بذلك في هذه المسألة.
كما أن حكومة أربيل لم تفعل أي شيء لإعاقة الضربات الجوية التركية على مقر حزب العمال الكردستاني في جبل قنديل بالقرب من حدود حكومة إقليم شمال العراق مع إيران، منذ أن بدأت هذه الضربات في يوليو/ تموز 2015.
لماذا تريد تركيا أن يكون لها دور في قضية الاستقلال
ما تزال هناك نقطتا خلاف بين أنقرة وحكومة إقليم شمال العراق: الأولى هي حقوق الأقلية التركمانية في العراق التي تتركز حول كركوك، وتقدر أعدادهم وفقا للتقديرات الكردية بأكثر من 600 ألف شخص، لكن بعض المراقبين الخارجيين يعتقدون إن عدد التركمان قد يصل إلى مليونين، (على الرغم من أن كثيرا من التركمان تعرضوا لضغوط قوية للاندماج مثل العرب أو الأكراد).
تشعر الحكومة التركية بالقلق إزاء المحاولات التي تقوم بها حكومة الإقليم للحد من العنصر التركماني في مدينة كركوك وحولها، وهي المدينة الغنية بالنفط التي تتصارع عليها حكومة الإقليم وبغداد.
كانت كركوك تحت سيطرة الحكومة العراقية حتى قبل ثلاث سنوات عندما استولت عليها قوات حكومة إقليم شمال العراق. وفي أي تسوية لاستقلال الإقليم سيكون مستقبل کرکوك من أکبر النقاط الشائکة، حيث تدعي ترکیا أن وجود التركمان یعطیھا حق التدخل المباشر في النزاع.
ولكن مثل هذا الصراع يبدو بعيدا في الوقت الراهن. وعلى الرغم من أنه صار من المؤكد تقريبا أن أن التصويت لصالح الاستقلال سيكون ساحقا (على الرغم من أن إحدى المحطات التلفزيونية الكبرى في الإقليم وعدت بالتصويت ضده)، فإن الاستطلاع غير ملزم ولن يؤدي تلقائيا إلى أي إجراء فوري.
تأمل حكومة الإقليم على الأرجح بتهدئة المخاوف التركية من خلال الاستمرار في العمل كالمعتاد، وطرح الاستفتاء بوصفه خطوة أخرى من خطواتها نحو الاستقلال النهائي الذي لم يتحقق بعد.
ستستمر القوى الخارجية، ولا سيما الولايات المتحدة وبريطانيا، في التأكيد على أنها لن تعترف بالدولة الكردية المستقلة. ويبدو أن إسرائيل فقط بين دول الشرق الأوسط هي من سيؤيد الاستقلال، وهو تأييد لا تكاد تكون له قيمة سياسية لأربيل.
ولذلك فإن البرزاني ربما يأمل في كسب الصيت والكاريزما بالسماح للإرادة الوطنية لشعبه بتأكيد نفسها، ولكن بمجرد أن يكون التصويت بـ نعم مضمونا، فإن الوضع الراهن لن يتغير في الواقع لفترة طويلة.
وعلى الرغم من المصالح الاقتصادية المشتركة بين أنقرة وأربيل، فقد يكون هذا خطأ في التقدير. فمن وجهة نظر أنقرة،لا يمكن أن تبقى الأمور معلقة، ذلك أن تركيا لديها تقليد قوي يرجع إلى القرن التاسع عشر يقضي بعدم السماح بالانفصال والاستقلال الذاتي بين الأقليات الإثنية في دول الجوار. وفي عام 2017، فإن القضية الأكثر إلحاحا على جدول أعمالها الأمني هي وجود الكانتونات السورية الكردية المستقلة المعلنة على طول حدودها مع سوريا.
وخلافا لحكومة إقليم شمال العراق، يتمتع القادة الأكراد السوريون بعلاقات وثيقة جدا مع حزب العمال الكردستاني. وقال أردوغان عدة مرات إن تركيا لن تسمح بإنشاء كيانات مستقلة في سوريا، ولا سيما للأكراد.
ومن ثم فإن استفتاء حكومة الإقليم قد يكون مقدمة لعلاقة أصعب بكثير بين تركيا والأكراد العراقيين لأنهم يجعلون علاقاتهم الإقليمية المهمة الوحيدة وقنوات اتصالهم مع العالم الخارجي معرضة للخطر.
ترك برس