تأسس بداية العام 2013، بجهود فردية، وكان “إنقاذ المدنيين وانتشال العالقين من تحت الأنقاض” هو العنوان الأبرز ليومياته.. هو فريق “الدفاع المدني”، والذي يعمل اليوم داخل أخطر مدينة في العالم، وفق ما وصفها كثيرون، وهي مدينة حلب في شمال سوريا.
وعلى الرغم من كل الصعوبات والتحديات، إلا أن أصحاب “الخوذ البيضاء”، أصروا على تحدي “آلة القتل” لروسيا والنظام السوري، وكل الأسلحة المحرمة دوليا، ليتابعوا عملهم التطوعي بعزيمة وثبات، في عمليات الإنقاذ والإسعاف وإخماد الحرائق، وسط نقص كبير في المعدات والآليات اللازمة لإتمام عملهم.
“عربي21” التقت مدير الدفاع المدني في حلب، عمار السلمو، الذي حذّر من حدوث مجاعة داخل مدينة حلب، تهدد حياة نحو 350 ألف مدني محاصر، مشيراً إلى خروج آليات الدفاع المدني عن الخدمة بشكل كامل تقريبا، جراء القصف والغارات الجوية العنيفة المستمرة منذ نحو أسبوع.
المزيد في الحوار التالي:
* بداية حدثنا عن وضع الدفاع المدني اليوم داخل أحياء مدينة حلب المحاصرة، وكم عدد المراكز التي خرجت عن الخدمة حتى اليوم وفي أي الأماكن تحديداً؟
– نحن في مدينة حلب لدينا 130 متطوعا وأربعة مراكز دفاع مدني، وهذه المراكز استهدف منها اثنان بتاريخ 23 أيلول/ سبتمبر، كما تم استهداف مركز حي باب النيرب بصواريخ وبقذائف مدفعية، ما أدى لخروج ثلاث آليات عن الخدمة، وذلك بتاريخ 23 تشرين الأول/ أكتوبر. وعلى الرغم من خروج مراكزنا عن الخدمة، كما تم استهداف مركز حي الصاخور وخرج عن الخدمة أيضاً، إلا أن عناصرنا جاهزون للاستجابة بأي وقت رغم كل الظروف.
ونحن كما بدأنا من دون تدريب ومن دون معدات وآليات، لكننا مصرون على الإكمال إلى ما شاء الله، فوضع المدينة صعب جدا؛ لأن المحروقات مفقودة بشكل كامل وحتى المواد الأولية مفقودة، وأي آلية يصيبها الضرر ليس لدينا إمكانية لإصلاحها إلا عبر الإمكانيات المتاحة، فالوضع صعب جدا كما ذكرت لك، بعد 90 يوما من الحصار والقصف الذي يطال 350 ألف مدني محاصر، وأؤكد لك أننا كدفاع مدني لم نشهد هذا القصف منذ أربع سنوات.
* ماهي الاحصائيات لديكم عن عدد الضحايا والإصابات في صفوف الدفاع المدني بحلب؟
– يوجد لدينا إصابات بسيطة بين صفوف العناصر خلال هذه الحملة الاخيرة من الغارات والقصف وليس هناك أي إصابات خطيرة ولله الحمد، باستثناء خروج الآليات عن الخدمة وتدمير المباني.
فآلياتنا اليوم كلها خارج الخدمة؛ لأنها منهكة واستهدفت بشكل متعمد، ونحن بالعادة كنا نعمل على إخراجها خارج مدينة حلب لإصلاحها، أما في هذا الوقت وبعد 100 يوم على الحصار، فلك أن تتصور عدم قدرتنا على التمكن من إخراج أي آلية خارج المدينة المحاصرة من أجل صيانتها. فالمدينة اليوم لا يتواجد فيها رحبات إصلاح متخصصة على مستوى عال، وبالتالي تستطيع القول إن 100 في المئة من آلياتنا غير صالحة للعمل، ولكننا نعمل بها ونصلحها كل يوم ضمن إمكانياتنا المتاحة.
* ماذا عن سيارات الإطفاء؟ وكيف تقومون بعملكم وسط هذه الظروف؟
– لا يوجد دفاع مدني بالعالم يستطيع استيعاب ما يحصل، قصف ممنهج ومتعمد على مراكزنا، واليوم كل سيارات الإطفاء خارجة عن الخدمة باستثناء سيارتين فقط ما زالتا قيد العمل. فنحن نحاول قدر الإمكان الاستجابة والاختيار ما بين مكان الغارة التي يتواجد فيها مدنيون عن المكان الذي لا مدنيين فيه، فمثلا في حال نشوب حريق عقب الغارة أو القصف ولا يوجد فيه أهال؛ نحاول تأجيله أو محاولة السيطرة عليه فقط، ولكن الضربات التي تطال أماكن سكنية ومأهولة نحن مجبرون للاستجابة فوراً لإنقاذ الأرواح، وكل ذلك التفضيل ما بين الضربات بسبب الإمكانيات البسيطة، تماما كما يفعل الأطباء الذين باتوا اليوم مجبرين على الاختيار بين المصاب الذي يمكن إنقاذه؛ من المصاب الذي لا أمل منه.
* في ظل ما تتحدث به هل هناك أي دور للأهالي في التطوع معكم والمساعدة بعمليات الإنقاذ؟
– ما تمر به مدينة حلب يفرض على كل إنسان أن يصبح “دفاع مدني”، ولا بد أن يكون لدى الشخص المتطوع ثقافة الدفاع المدني كي يتمكن من إنقاذ الأهالي ومساعدتنا في عملنا؛ لأننا لوحدنا غير قادرين على تخديم أكثر من 300 ألف مدني، وسط كتل المباني السكنية والأحياء الكبيرة جدا، فالمدنيون يقومون بمساعدتنا والحمد لله، ويقدمون لنا المساعدة في كل حي ندخل إليه، وهذا ما يجعلنا نكمل عملنا الذي بدأنا به.
* من خلال عملكم ما هو عدد الأشخاص الذين تم إنقاذهم منذ بدء الحملة الأخيرة على مدينة حلب؟
– خلال الأسبوع الماضي كان هناك 350 شهيدا تمكنا من إخراجهم، كما أننا أنقذنا من تحت الأنقاض والركام 860 شخص مصاب، وهذه إحصائيات خاصة بفريق الدفاع المدني، بالإضافة لبعض المصابين تم إنقاذهم من الأهالي المتطوعين.
* بالأرقام أيضاً ما هي حصيلة الغارات والقذائف وفق آخر إحصائية لديكم؟
– ما أحصيناه خلال تلك الهجمة هو 490 غارة جوية من الطيران الحربي، و2300 قذيفة مدفعية وصاروخية بصواريخ “أرض- أرض”، وحوالي ست هجمات بغاز الكلور السام أدت لاستشهاد ستة أفراد من عائلة واحدة.
* ما هي أبرز المشاهدات التي وثقها عناصر الدفاع المدني في الآونة الأخيرة خلال عمليات الإنقاذ؛ والتي لم تمح من ذاكرتكم في تلك الحملة الأخيرة على المدينة؟
– هناك مشاهدات قاسية جدا مررنا بها، فنحن أنقذنا عائلات من تحت الأنقاض وأجليناهم، وعندما ننقذ عائلة ونتركها للذهاب لمكان آخر، تردنا أنباء بأن الطيران يعاود استهداف ذات المنطقة مرة أخرى ما أدى لاستشهاد الكثير ممن أنقذناهم في المرات الأولى.
هناك أيضا عائلات بأكملها لم تتعرف على أبنائها، وأذكر حينما تم استهداف تجمع للمدنيين في منطقة جسر الحج بتاريخ 19 تشرين الثاني/ نوفمبر الحالي، كيف تم ملء كفة “التركس” بأشلاء الضحايا، وبدأ الناس بمحاولة التعرف على شهدائهم من خلال بعض العلامات، كالبنطال أو القميص والساعة وغيرها، وبدأوا يتقاسمون الأشلاء، فكانت مشاهد رهيبة صادمة، وسط حالة من الخوف والرعب والوضع المزري.
* وكيف هو الوضع الطبي ووضع المستشفيات؟
– بالنسبة للمشافي أصبحت الآن أخطر مكان في مدينة حلب، حتى الناس المصابون يخشون من الذهاب إلى تلك المشافي، وبعض المصابين يفضلون العلاج في منازلهم أو منازل أقاربهم، وذلك لأسباب عدة، أهمها خروج معظم المشافي عن الخدمة، والاستهداف المتعمد لها من طيران روسيا والنظام، وأحيانا لعدم قدرة المشافي على الاستيعاب واضطرار المصاب لأن يقف بصف طويل منتظرا أن يأتي دوره، وهذا ما كان يواجهنا أثناء عمليات الإسعاف، فنضطر لأخذ المصابين ونقلهم لمنازل أقاربهم ليتعالجوا هناك.
* إذاً، كيف تجرى عمليات الإسعاف في أماكن غير مجهزة وخاصة للحالات الحرجة؟
– بسبب خروج المشافي عن الخدمة، فإن عشرات العمليات الجراحية يجريها من غير المختصين، حتى بعض الشباب بدأوا يتطوعون للعمل بالمشافي الميدانية بسبب نقص الكوادر الطبية، ويوجد هناك الكثير من المناطق غير المخدّمة طبيا، وخاصة الأحياء الشرقية بعد خروج المشافي عن الخدمة وتدميرها، فأصبح الوضع الطبي أقسى من الحصار، وأقسى من الجوع والحاجة للماء والكهرباء.
* أخيراً، ما هي رسالتكم للعالم أجمع؟
– نقول للعالم: الوضع بات كارثيا جدا داخل مدينة حلب المحاصرة، ولحظات سوداء في تاريخ البشرية تشهدها تلك المدينة الصامدة، دون أي اكتراث من العالم أجمع لما يحدث، وكأن هناك شيئا متفقا عليه. نحن لم نعد نثق بأحد أبدا، فنحن وبعد خمس سنوات نصرخ ونقول إننا نقتل بدم بارد دون أن يتم تقديم المساعدة لنا، وحلب ايضا اليوم على أبواب مجاعة تهدد سكانها المحاصرين، كونها منطقة غير زراعية، ولا يتواجد فيها أي مقوم من مقومات الحياة.
عربي21