في خطابه الأخير أمام الاجتماع السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة، قال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إن تركيا أنفقت 25 مليار دولار على اللاجئين. هذا الرقم أصاب الجميع بالدهشة؛ لأن الأتراك قيل لهم حتى الآن إن بلدهم أنفق 10 مليارات دولار على اللاجئين السوريين.
في ال9 من يوليو/ تموز 2015 قال أردوغان إن 6 مليارات دولار أنفقت على اللاجئين السوريين بين عامي 2011-2015. وفي ال5 من أكتوبر/ تشرين الأول 2015 قال الرئيس التركي إن المبلغ كان بالفعل 7.5 مليار دولار. وكان رئيس هيئة الطورارئ والكوارث، فؤاد أكتاي، تحدث عن إنفاق 10 مليارات دولار في فبراير/ شباط 2016.
والسؤال هو لماذا ارتفعت النفقات من 10 مليارات دولار في نهاية شهر فبراير 2016 إلى 25 مليار دولار بعد ستة أشهر.
قبل ستة أشهر كان هناك 2.7 مليون سوري في تركيا، وهو رقم أكده الرئيس في خطابه أمام الأمم المتحدة. وإذا كان عدد اللاجئين لم يرتفع، فلماذا زادت النفقات؟
فحصت المونيتور التفاصيل في خطاب الرئيس. أردوغان الذي كان يشير قبل ذلك إلى نفقات أجهزة الدولة، ضَمّن هذه المرة ما تنفقه البلديات المحلية ومنظمات المجتمع المدني على اللاجئين. قال أردوغان في خطابه إن نفقات الدولة بلغت 12.5 مليار دولار، وإن البلديات ومنظمات المجتمع المدني أنفقت أيضا 12.5 مليار دولار.
كانت هذه أول مرة يسمع فيها الشعب التركي عن الأموال التي أنفقتها البلديات ومنظمات المجتمع المدني. ومن البدهي أن أردوغان انتهز فرصة ظهوره أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة ليكشف عن الأموال الضخمة التي أنفقتها تركيا، وعدم كفاية المساعدات التي تقدمها الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي. وقال أردوغان في خطابه إن مساعدات الأمم المتحدة بلغت 325 مليون دولار فقط، وإن الاتحاد الأوروبي لم يعط تركيا أي أموال، لكنه أنفق 178 مليون دولار فقط من خلال صندوق الأمم المتحدة للطفولة. وقد عبر أردوغان عن شكواه بالقول “إن من وعدوا في الاتحاد الأوروبي بالمساهمة في جهودنا لم يفوا بوعودهم. وبالمثل لا زلنا نتوقع أن تفي الأمم المتحدة بوعدها. إن أعمال الدورة 71 للأمم المتحدة هي مناسبة مهمة لكي يعرف العالم. لا ينبغي أن تقف مساهمة المجتمع الدولي عند 525 مليون دولار”.
أثار ارتفاع إجمالي نفقات تركيا إلى 25 مليار دولار ردود أفعال في البلاد. وجاءت إحدى الاعتراضات من أرطغرل أوزكوك، أحد كبار الكتاب في صحيفة حرييت اليومية، الذي كتب “يؤخذ لكل لاجئ سوري يأتي إلى بلدنا 300 دولار من جيب كل مواطن تركي. وبالمال الذي يأخذونه منا يضعون 8.000 دولار في جيب كل مواطن سوري يأتي إلينا. الشعب الألماني الذي لم ينفق حتى 1% من الأموال التي أنفقناها يطالب حكومته بأن تفسر النفقات على اللاجئين السوريين. أليس من حق المواطنين الأتراك أن يسألوا هذا السؤال البريء؟ لمذا أنفقنا هذه الأموال؟ أعرف الجواب: من أجل الإنسانية. لمن ندين بهذا الدين الإنساني؟ هل هو دين الجوار والمشاعر الدافئة؟ أم أننا مدينون بهذه المآسي الإنسانية بسبب سياستنا الخاطئة؟”.
ثمة ملاحظة صحيحة. فعلى الرغم من أن إجمالي النفقات قد تضاعف، فإن نفقات الدولة الرسمية آخذة في الهبوط. كان متوسط النفقات الشهرية من يوليو/ تموز 2015 حتى نهاية فبراير/ شباط 2016 وصل إلى قرابة 500 مليون دولار.
قال أردوغان في تصريحه الأخير إن النفقات الرسمية على اللاجئين ارتفعت من 10 مليارات دولار إلى 12.5 مليار دولار. ونظرا لأنه أدلى بتصريحه في ال20 من سبتمبر، فقد استخدم أرقاما عن المدة من نهاية أغسطس 2015 وحتى فبراير 2016 ، حين كانت النفقات قرابة 10 مليار دولار، وهو ما يعني أن الأشهر الستة من مارس/ آذار إلى أغسطس/ آب هذا العام شهدت ارتفاعا في النفقات بمقدار 2.5 مليار دولار. وهذا يشير إلى أن المعدل الشهري للنفقات الرسمية بلغ 416 مليون دولار، أي بانخفاض قدره 48 مليون دولار.
فهل يستمر توجه خفض النفقات هذا؟
الشتاء مقبل، وقد فتحت المدارس أبوابها. ولأن من المرجح أن ترتفع نفقات التدفئة والملابس والتعليم والصحة، فإن النفقات الشهرية على اللاجئين السوريين قد تزيد في الواقع. لكن على الرغم من أن هذه النفقات عبء على الميزانية، فإنها تعزز الطلب المحلي، وتسهم في الإنتاج والنمو. وبينما تعمل الحكومة جاهدة على تعزيز الطلب الداخلي، ويسرت السداد ببطاقات الائتمان، فإن إنفاق الناس يمكن أن تزيد، وصار استهلاك اللاجئين منقذا للاقتصاد. ولا ينبغي لنا أن ننسى أن السوريين أنشأوا 4456 شركة في تركيا منذ عام 2011.
تنشط هذه الشركات السورية في السوق المحلية وفي التصدير أيضا. ومن دون هذه الشركات كان من المستحيل بالنسبة لتركيا مواجهة مشكلة ارتفاع فاتورة نفقات اللاجئين السوريين.
ترك برس