“لسنا دولة في أميركا اللاتينية أو في إفريقيا”، هكذا عبّر الرئيس التركي السابق، عبدالله غول، عن فشل محاولة انقلاب عسكري في تركيا.
خمس ساعات فقط كافية لإفشال محاولة انقلاب، هذا ما أثبته الشعب التركي، حيث نزلت الجماهير التركية رفضاً للانقلاب العسكري، واستجابة لطلب الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بالنزول إلى الشوارع والميادين والمطارات.
خمس ساعات فاصلة، منذ إعلان الانقلابيين بيانهم الأوّل، حتى ظهور أردوغان، معلناً لشعبه فشل الانقلاب العسكري، حيث تأرجحت الحالة بين ميل كفة الانقلابيين في البداية، ثم تمكّن الحكومة الديمقراطية المنتخبة من السيطرة على الأمور مجدّداً.
نزل الشعب التركي معترضاً إلى الشارع، ولم يقل أنّ هذا صراع على السلطة بين الجيش من جهة، وبين أردوغان وحزبه من جهة أخرى، لم يجلس ليفكّر هذه ثورة أم انقلاب؟ بل سارع بالنزول، رفضاً للانقلاب العسكري الذي عانت منه بلاده كثيراً.
النخب التركية، وخصوصا المعارضة منها، لم ينتهزوا الفرصة، مستغلين إطاحة العسكر أردوغان، ألدّ خصومهم السياسيين، بل صرّحت المعارضة علناً (حزب الشعب الجمهوري، الحركة القومية) أنّ تركيا عانت من الانقلابات، وأنّهم متمسّكون بالديمقراطية. إذن، المعارضة اختارت الديمقراطية، ورفضت الانقلاب.
على الرغم من سيطرة الانقلابيين على التلفزيون الرسمي التركي، إلّا أنّ القيادات المدنية المنتخبة سارعت بالظهور إعلامياً عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وعبر قنوات تركية مستقلة، داعية الشعب إلى رفض الانقلاب العسكري، وهو ما كان له دور فى استجابة الناس السريعة لمساندة الديمقراطية، عبر حضور شعبي ورسمي تابعه الرئيس أردوغان، بالنزول فعلاً إلى الشارع مع المتظاهرين، وسبقه أعضاء في البرلمان ورئيسه الذين وجدوا داخل مبنى البرلمان، على الرغم من تعرض المبنى للقصف.
اختارت المؤسسات الأمنية (المخابرات والشرطة) الانحياز للديمقراطية، وساندت الحكومة المنتخبة، واشتبكت مع بعض العناصر الإنقلابية أحيانا.
الإعلام التركي المستقل لم ينحاز للانقلاب، تحوّلت كلّ القنوات إلى مواقع إخبارية تذيع ما يحدث في الشارع، وكانت قناة الخبر التركية المستقلة أوّل قناة تبث مقابلة مع الرئيس عبر التليفون، وحتّى قبل التأكد من كسر الانقلاب .
القيادات العسكرية التي رفضت الانقلاب سارعت الإعلان عن ذلك، وصاحبته بالتحرّك لمواجهة الانقلابيين، وإعادة الأمور إلى نصابها، وقيادات عسكرية كان بإمكانها مباركة الانقلاب، والسيطرة على الحكم، إلّا أنّها انحازت للديمقراطية، ورفضت الالتفاف على إرادة الشعب التركي.
وصفة بسيطة تصلح لأيّ بلد: سلطة مدنية متسلحة بشعبها بمساعدة نخبة سياسية، استطاعت أن تكسر انقلاباً عسكرياً في خمس ساعات.
أتذكّر انقلاب مصر في يوليو/ تموز 2013، وأقارن بين الفاعلين في إفشال انقلاب تركيا والفاعلين في تثبيت انقلاب مصر ودعمه. أتذكر بعض الشعب المصري الذي رفض الإعتراف أنّ ما حدث حينها انقلاب عسكري، واصفينه بأنّه صراع على السلطة بين الجيش ومحمد مرسي وجماعته، وأتذكر النخب المصرية، وهي ترتمي في حضن العسكر، لاهثةً وراء السلطة، مفاخرةً بتنسيقها وترتيبها مع الجيش لإزاحة رئيس مدنى منتخب.
أتذكر مشاركة الشرطة المصرية في قيادة تظاهرات 30/6، ودخولهم ميدان التحرير مرفوعين على الأعناق، وهو الميدان الذي شهد الثورة عليهم، والميدان الذي سقط فيه عشرات برصاصهم. كما أتذكر الإعلام المصرى (الحكومي والمستقل الموالي) وهو يحرّض على رافضي الانقلاب، واصفاً إياهم بالخونة والإرهابيين. أتذكّر رجال دين السلطة، وهم يلوون ألسنتهم، مستبيحين دماء معارضي الانقلاب، وقيادات الجيش التي انساقت خلف مهووس، لا يهمه سوى تحقيق أحلام السيف والأوميجا، قيادات فضّلت السلطة والمال على الحفاظ على الجيش والدولة.
وقف الشعب التركي ضد الانقلاب لأجل تركيا، لا لأجل أردوغان، للديمقراطية لا لحزب العدالة والتنمية، مثلما وقفنا في مصر ضد الانقلاب العسكري، لأجل مصر لا لأجل مرسي، للديمقراطية لا لحزب الحرية والعدالة. نحج الأتراك، ولهم التهنئة، وفشلنا نحن المصريون، ولا عزاء لنا.
العربي الجديد_عبد الكريم محمد