مع بداية الثورة السورية في عام 2011، كان أهالي حماة من أوائل المتظاهرين، وخرج وقتها ما يعرف بالمظاهرات المليونية، ما أكد مخاوف النظام من المدينة التي كانت لها تجربة سابقة مع قمع النظام في ثمانينيات القرن الماضي، فقام على الفور بإدخال الجيش والدبابات إلى المدينة وسيطر عليها بالكامل، منعا لأي تحرك.
يقول الناشط براء الحموي، رئيس المركز الإعلامي في كتلة أحرار حماة، لـ”عربي21″: “كانت المظاهرات في بداية الثورة سلمية بشكل كامل، واندهش النظام والناس على حد سواء بالعدد الكبير للمتظاهرين”.
ويضيف: “بعد دخول الجيش للمدينة سيطر عليها بالكامل، ونشر مئات الحواجز في المدينة منعا لأي تحرك، وبدأت حملات الاعتقال التي طالت المئات في وقتها، ما منع خروج المظاهرات في مركز المدينة”، مشيرا إلى أن النظام استمر “بهذه الحملات، وحمل بعض أبناء المدينة السلاح الخفيف لأجل حماية المظاهرات”.
من جانبه، يقول أبو المجد، أحد القيادات العسكرية التي كانت متواجدة في المدينة: “حملنا بداية السلاح لأجل حماية المتظاهرين، ومع استمرار النظام بحملات الاعتقال ومداهمة الأحياء والبيوت في كل يوم، تشكلت كتائب في كل حي لحماية الأحياء ومنع قوات النظام من الدخول للمدينة”.
ويوضح أبو المجد، في حديثه لـ”عربي21″، أن هذه الطريقة لم تجد هذه نفعا، “حيث كان النظام في كل مرة يحاصر الأحياء ما يضطرنا أخيرا للانسحاب من الحي، وبعدها يدخل النظام لينكل بالمدنيين ويعتقل أغلب شبابهم”.
وفي عام 2013 انتهت المقاومة المسلحة في المدينة، وخرجت كل الفصائل الموجودة “حفاظا على أمن أهل المدينة”، كما يقول أبو المجد.
لكن خروج الفصائل وانتهاء المقاومة المسلحة لم يحسّن الأوضاع في المدنية، بل زاد الوضع سوءا، وانتقل النظام لاعتقال كل من له علاقة بالثورة من قريب أو بعيد، وشدد قبضته الأمنية مما حمل كل الناشطين السلميين والإغاثيين على الخروج من المدينة.
ويتحدث الناشط الإغاثي أبو معتصم الصالح؛ عن الوضع بعد خروج الفصائل المسلحة من المدينة: “ظننا أن الأمور ستهدأ، وسيكف النظام يده عن ملاحقة الناس، ولكن النظام على العكس زاد حملات الاعتقال، حيث لم تعد هناك أي مقاومة أو أي شيء يخشاه، فابتدأ بملاحقة الناشطين السلميين والذين يعملون في المجال الإغاثي”.
وأضاف لـ”عربي21″: “لم يكن عملنا كإغاثيين سوى توزيع الإغاثة على المتضررين والفقراء، لكن ذلك لم يعجب النظام ولم يرد وجود أي حاضنة شعبية للثورة، فزاد من ملاحقته لكل ناشط، وصار يداهم بيوتهم في كل وقت من ليل أو نهار، ما اضطرني أنا وكل الناشطين للهرب من المدينة، ووقتها توقف أي نشاط ثوري في المدينة، وباتت المدينة خاضعة له بشكل كامل”.
خلو المدينة من كل أشكال المقاومة لم يفد في تقليل الحواجز الأمنية أو في تخفيف حملات الاعتقال، لكن مهمة هذه الحملات تحولت لملاحقة الشباب في سن الخدمة الإلزامية أو من أجل السحب للاحتياط، بالإضافة إلى أعمال السرقة والنهب من الناس.
محمد، أحد الشباب الذين فروا إلى تركيا بسبب طلبه للخدمة الاحتياطية، يقول لـ”عربي21″: “بعد أن أصبحت المدينة للنظام بشكل كامل، توقعنا أن من لم يقم بنشاط في الثورة سيكون بمأمن، لكن حملات الملاحقة لأجل الخدمة الإلزامية والاحتياط لم تسمح لنا أن نعيش حياتنا في مدينتا، فاضطررنا لترك كل شيء خلفنا، البيوت، العمل، الأهل لأجل أن ننجو بأنفسنا”.
اليوم، صارت مدينة حماة خالية من شبابها تقريبا، فبعضهم معتقل وبعضهم حمل السلاح وخرج منها، وقسم هرب من المدينة لأنه مطلوب للنظام، أو مطلوب للخدمة الإلزامية أو الاحتياط.
عربي21