يعتبر شهر رمضان المبارك موسماً له الطقوس الخاصة والمتميزة عند السوريين، فكل مدينة سورية تشتهر بطقوس رمضانية تميزها عن غيرها، فالحلبيون مثلاً يشتهرون بمأكولاتهم الشهية والمتعددة، والدمشقيون يتميزون بحلوياتهم اللذيذة، وهكذا تتنوع وتتعدد الطقوس في سوريا بلد التميز والحضارة.
ولكن مع بدء أحداث الثورة السورية في 15 مارس/آذار 2011، بدأت هذه العادات تتأثر بظروف الحرب الشرسة التي مرت على البلاد، فقد أصبح شهر رمضان المبارك شهراً كارثياً على هذا الشعب المظلوم، فالنظام السوري يزداد إجرامه ومجازره في هذا الشهر الفضيل ضارباً بعرض الحائط كل القيم والأخلاق والأعراف الإسلامية.
كان شهر رمضان الفضيل في أول عام من الثورة موسماً للمظاهرات التي كانت تنطلق من المساجد في المدن والقرى السورية، حيث يعتبر مناسبة لا تتكرر لتكثيف المظاهرات، وبالمقابل كانت فرصة لا تتكرر للنظام لقتل أكبر عدد من المتظاهرين المنادين بالحرية لكسر نفوسهم وإجبارهم على الخنوع، لكن هذا الأمر لم يتم، بل استمرت المظاهرات الحاشدة في هذا الشهر بزخم أكبر وبأعداد أضخم هزت اركان النظام، فالمظاهرات التي كانت تجوب شوارع وساحات مدن حمص وحماة وإدلب ودمشق ومخيم الرمل الجنوبي في اللاذقية شاهدة على ذلك.
إن أول عملية تهجير قسرية للسوريين خلال الثورة و بشكل لا سابق له، كانت لسكان مخيم الرمل الفلسطيني في اللاذقية في شهر رمضان، حيث قام النظام باستهدافه بالبوارج الحربية في 15 من (شهر رمضان) والموافق لـ 15 أغسطس عام 2011، وعلى إثره تم تهجير أكثر من 10 آلاف مدني من المخيم الذي يحوي لاجئين فلسطينيين، فضلاً عن أن النظام السوري يقوم باستهداف المدنيين السوريين بشكل مكثف في هذا الشهر، فهو يبتكر أساليب جديدة في القمع والإرهاب، ويستهدف المناطق “الآمنة” بالقصف وقت الإفطار أو السحر بالبراميل المتفجرة أو بقذائف راجمات الصواريخ.
“أم محمد” وهي أم سورية من قرى ريف إدلب الجنوبي تتحدث عن تغير الطقوس الرمضانية في بلدتها فتقول: “كنا قبل الثورة نجتمع في موائد عائلية مع الأقارب، نضع على الموائد كافة الأصناف من المأكولات والمشروبات، أما اليوم فتقتصر المائدة على أصناف محدودة مع الخوف والرعب الذي نعيشه أثناء الإفطار بفعل القصف الذي تتعمد قوات النظام تنفيذه وقت الإفطار، كما أن كأس الماء البارد وقت الإفطار أصبح حلماً في ظل انقطاع الكهرباء منذ أكثر من 3 أعوام”.
ومع انقطاع مقومات الحياة الضرورية من كهرباء وماء في أغلب المناطق السورية، أصبح السوريون يحلمون بيوم واحد تُنور عليهم الكهرباء ظلامهم الدامس، الكهرباء التي أصبحت من الماضي عندهم، كما أن شح المحروقات في الآونة الأخيرة فاقم الأزمة الإنسانية في البلد، فمن يسير الآن في الشوارع السورية يجدها خالية من مقومات الحياة التي كانت تعمرها سابقاً، وتوحي بأن الحياة لن تعود إلى طبيعتها قريباً.
تضيف أم محمد قائلة :” أشعر بالحزن على الأمهات اللاتي فقدن أولادهن أو غيّبهن السجن، لأن هذا الشهر كان قبل الثورة ملتقى الأحبة في العائلة الواحدة”، وتتحدث عن أولادها الصغار بالقول: “إن الوضع الآن مختلف عن السابق، سابقاً كان رمضان شهراً للفرح والمرح والضحكات التي لاتفارق وجوه أطفالي الصغار، أما اليوم خوف ورعب لكل الأطفال، لكن الأمل والرجاء من الله لا ينقطع بعودة الحياة إلى طبيعتها”.
لم يعد هذا الشهر الفضيل كما كان من قبل شهراً للمودة والألفة بين السوريين، بل تحول إلى كابوس نتيجة تغير الحياة وطقوسها بسبب الوضع الأمني المتدهور نتيجة ممارسات النظام الهمجية وغير الأخلاقية في هذا الشهر الكريم.
المصدر: اتحاد الديمقراطيين السوريين