ويشتهر ثعبان شجرة الجنة (Chrysopelea paradisi) الذي يعيش في جنوب شرق آسيا بقدرته على التحليق في الهواء من شجرة لأخرى بمساعدة جسمه الأملس، وعندما يريد الهبوط إلى الأرض ينزل بحركة لولبية تشبه الأمواج في الهواء تحول دون ارتطامه بالأرض.
واستخدم فريق من الباحثين الأميركيين نموذجا ثلاثي الأبعاد لإظهار الحركة الموجية التي تمكن هذا الثعبان العجيب من الطيران، ونشرت نتائجهم في دورية “نيتشر فيزيكس Nature Physics” يوم 29 يونيو/حزيران الماضي.
معجزة حيوية ميكانيكية
ويستطيع ثعبان شجرة الجنة النادر الطيران لعشرات الأمتار في الهواء ثم الالتفاف بمقدار 90 درجة لتغيير اتجاهه، فعندما يطير من موقع عال فإن جسمه يتموج في الهواء في سلسلة من الالتواءات الغريبة ويهبط بشكل مستقيم على بعد عدة أمتار.
وقد درس جيك سوشا -الذي يعمل في الهندسة الطبية الحيوية بالمعهد التقني لولاية فيرجينيا الأميركية “فرجينيا تك” (Virginia Tech)- هذه الثعابين الطائرة لأكثر من 20 عاما، واعتبر حركاتها البهلوانية معجزة حيوية ميكانيكية.
وبينما يعترف سوشا بأن الثعابين لا تطير عمليا يرى أن انزلاقاتها الإستراتيجية لا تزال إنجازا رائعا لحيوان منعدم الأطراف.
ومن خلال إنشاء نموذج ثلاثي الأبعاد لتموجات الهواء لهذا الثعبان تبين أن هذه الاهتزازات ضرورية للاستقرار الديناميكي للطيران، مما يجعل الثعابين تنزلق بشكل عمودي لفترة أطول.
وبدون هذه الألعاب البهلوانية الجوية تشير نتائج الفريق إلى أن ثعبان شجرة الجنة لن يذهب بعيدا على الإطلاق، ومن المحتمل أن يتجه رأسه أولا إلى الأرض، أو يهبط في اتجاه آخر خطير.
نجوم العرض
بدأت الدراسة في عام 2015 عندما حول الباحثون “المكعب” -وهو مسرح مكون من 4 طوابق من صندوق أسود مزود بـ23 كاميرا عالية السرعة تستخدم لالتقاط حركات الدراما والرقص- إلى ساحة انزلاق داخلية، لكن في هذه الحالة كان نجوم العرض هم الثعابين الطائرة.
وبوضع شريط عاكس للأشعة تحت الحمراء على أجسادها في مواقع مختلفة تمكن الباحثون من استخدام نظام التقاط الحركة لتسجيل تحركات الثعابين من جميع الزوايا.
وباستخدام ما بين 11 و17 نقطة مرجعية من الرأس إلى الذيل شاهد الفريق 7 ثعابين مختلفة قفزت من فرع شجرة بلوط يبلغ ارتفاعها 8.3 أمتار إلى شجرة صناعية أدناها.
ومن خلال معالجة هذا النموذج الديناميكي اختبر الباحثون كيف تؤثر تموجات معينة من الحركة أفقيا وعموديا على طيران الثعابين.
ويرى الباحثون أن هذا التموج يحافظ على الثعبان منتصبا أثناء الانزلاق في الهواء بدلا من عدم توازنه بسرعة بواسطة قوى السحب والرفع.
دراسة قوية
ويقول المهندس الميكانيكي والمؤلف الرئيسي للدراسة إسحاق ييتون من فرجينيا تك لموقع أخبار الجامعة إن “ما يجعل هذه الدراسة قوية حقا هو أننا تمكنا من تطوير فهمنا لديناميكيات الانزلاق وقدرتنا على نمذجة النظام بشكل كبير”.
ويضيف أن “طيران الثعبان معقد، وهناك العديد من التعقيدات لجعل النموذج الحسابي دقيقا، لكن من المُرضي جمع كل القطع معا”.
هذه المعرفة لا تخبرنا المزيد عن طيران الثعابين فحسب، بل يمكن أن تكون إضافة كبيرة في مجال علوم الروبوتات، حيث إن الثعابين ممتازة في التحرك عبر البيئات المعقدة، وهو شيء نريد أن تقوم به الروبوتات أيضا.
ويعتقد جيم أوشيروود -الذي يدرس الميكانيكا الحيوية الحركية في الكلية البيطرية الملكية في لندن والذي لم يشارك في الدراسة- أن هناك بعض الأسئلة التي لا تزال قائمة، مثل: هل يتم اعتماد التموج خلال الانزلاقات لتحقيق الاستقرار، أم إنها مجرد بقايا سلوكية لحركة الثعابين؟
وكتب في مقال نشر في قسم أخبار وآراء بمجلة “نيتشر” تعليقا على الدراسة الجديدة “ربما يكون هذا الفصل خاطئا: قد يكون كلاهما صحيحا”.