نشرت سيدة سورية من مدينة دمشق تسجيلاً صوتياً، اطلع عليه موقع تلفزيون سوريا، عددت فيه أسماء عائلات من حي الميدان الدمشقي، وقالت إن أفراداً من هذه العائلات أصيبوا بفيروس “كورونا” خلال الأيام الماضية، في إشارة إلى تفشي الوباء في دمشق، وطالبت “بغضب” سكان العاصمة بالتزام بيوتهم، وتوخي الحذر.
وتزامن تسجيل السيدة مع تسجيل لطبيب في إحدى المستشفيات يؤكد أن وباء “كورونا” منتشر بشكل واسع في دمشق، وأن عشرات الحالات تحاول مراجعة المستشفيات التي أغلقت أبوابها واكتفت بمن لديها من المصابين.
على الطرف الآخر تتجاهل وزارة الصحة في حكومة النظام ذكر هذه الوقائع، وتكتفي بالقول إن حالة أو حالتين يتم تسجيلها يومياً في عموم مناطق سيطرة النظام.
يؤشر الوضع الصحي السائد في دمشق وحلب والساحل إلى مضي النظام في سياسة التعتيم الإعلامي التي ينتهجها منذ عقود في سوريا، إلا أن الخطورة في هذا الواقع تكمن في شقين، الأول أن القطاع الطبي عند نظام الأسد مهترئ، وهو ما يفسر إغلاق المستشفيات أبوابها أمام المرضى، والثاني هو أن الناس في مناطقه يعيشون ضائقة مالية كبيرة بسبب سياسات النظام، الأمر الذي يدفعهم إلى عدم التزام المنازل والخروج بحثاً عن قوت يومهم، ما يهدد باقتراب موعد انفجار قنبلة “كورونا” بين الناس، الذين سيتركهم نظام الأسد يواجهون مصيرهم بمفردهم.
100 حالة وفاة يومياً
كشف طبيب يعمل في مستشفى الأسد الجامعي بدمشق لموقع تلفزيون سوريا، الوجه الحقيقي للواقع الطبي الذي تشهده المستشفيات من جراء مواجهة فيروس “كورونا”، مؤكداً أن الوباء متفشٍ بشكل كبير في دمشق.
وقال الطبيب – تحفّظ على ذكر اسمه لأسباب أمنية- إن مستشفيات دمشق ممتلئة بحالات العناية المركزة، إضافة إلى حالات العزل الصحي للمصابين.
وأشار إلى أن معظم المستشفيات الخاصة في مدينة دمشق، توقفت منذ نحو أسبوع، عن استقبال المرضى.
وقال إن مستشفى الأسد الجامعي توقف هو الآخر عن استقبال المرضى، نتيجة انخفاض ضغط الأوكسجين داخل المولدات بسبب الأعداد الكبيرة لمصابي “كورونا”.
وأكد أن نسبة الأوكسجين في الدم منخفضة عند حالات عديدة من مراجعي مستشفى الأسد الجامعي، مما يؤكد أن “كورونا” متفشٍ بشكل واسع في دمشق.
وقال إن جميع التقارير التي تصدر عن أعداد الإصابات في دمشق غير صحيحة بالمطلق، وختم المصدر حديثه بالتأكيد على أن مدينة دمشق تحتوي على أعداد كبيرة من المصابين، طالباً من الناس توخي أقصى درجات الحذر.
وأعلنت حكومة النظام تسجيل أول إصابة بفيروس “كورونا” في مناطقه، في 22 من آذار الماضي، لشخص قادم من خارج البلاد، وسجلت أول حالة وفاة في 29 من الشهر ذاته.
وكان معاون مدير الأمراض السارية والمزمنة في حكومة النظام، هاني اللحام، أكد، في 29 من شباط الماضي، الاشتباه بحالتين قادمتين من إيران، تم تحويلهما إلى مستشفى المجتهد وعزلهما على الفور، مما يشير إلى أن “كورونا” دخل مناطق سيطرة النظام من إيران.
وحتى يوم الجمعة، 24 من تموز، قالت “وزارة الصحة” التابعة للنظام إن عدد الإصابات بـ”كورونا” وصل إلى 608، بينهم 35 وفاة.
الوضع في المستشفيات الحكومية “مزرٍ”، هكذا يصف الوضع طبيب آخر في مستشفى المواساة بدمشق، مشيراً خلال حديثه لموقع تلفزيون سوريا، إلى أن المستشفى حالياً بات يرفض قبول الإصابات الخفيفة بـ “كورونا”، وفي حال عدم وجود ضيق بالتنفس أو مرض مزمن يرفض استقباله، وهذا التصرف مخالف لتوصيات وزارة الصحة في حكومة النظام التي تؤكد يومياً على مراجعة المشافي بحال ظهور الأعراض، ما جعل الإقبال على المستشفيات يفوق طاقتها.
وأضاف “نتيجة استقبال الحالات الشديدة فقط بما يتناسب مع قدرتنا، بدأنا نستقبل شباناً بوضع حرج، وقد توفي شباب فعلاً في مشفى ابن النفيس بأعمار ما بين 30 – 40 عاماً فقط، لأننا لا نستقبلهم مع بداية الأعراض، ونتيجة الإهمال الصحي خارج المستشفى”.
وأشار الطبيب إلى عدم دعم المستشفيات الحكومية بإجراءات الوقاية فيما يتعلق بالكادر الطبي الذي استغاث مراراً بعد تفشي الفيروس بين الكوادر الطبية، مؤكداً أن وزارة الصحة قدمت كمامة واحدة لكل طبيب يجب أن يستخدمها 3 أيام، وهذا يخالف كل الأعراف الطبية، عدا عن عدم توفير اللباس الواقي لكل الكادر الطبي وتخصيصه لأقسام العزل والعناية فقط.
طبيب ثالث في مستشفى المواساة، يؤكد لموقع تلفزيون سوريا، أن نسبة انتشار المرض بين الكادر الطبي كبيرة جداً، وذلك نتيجة إهمال إجراءات الوقاية من قبل “وزارة الصحة” وعدم تزويد الكادر الطبي بها، ما جعل الممرضين والأطباء ناقلين للفيروس للمراجعين والمرضى سواء في المستشفى أو في العيادات الخاصة التي يستقبلون بها المراجعين يومياً.
وأردف “الكادر التمريضي في المستشفى والأطباء من طلاب الدراسات، يهربون من مناوباتهم، ويتحاشون التعامل مع مصابي كورونا نتيجة عدم وجود لباس خاص لجميع أقسام المستشفى، فعلى سبيل المثال، إن عانى مريض كورونا من مشكلة بولية يرفض أطباء البولية تلبيته خوفاً على أنفسهم لعدم توفر لباس خاص بالعزل لهم”، مطالباً بأن يتم تأمين اللباس لكل الكادر التمريضي والطبي والعمال المتعاقدين وغيرهم، حيث يدخل عمال النظافة يومياً للمستشفى وعمال الصيانة دون لباس خاص، وهؤلاء ناقل خطير للمرض في العاصمة.
وعن نسبة الوفيات نتيجة الإصابة بـ”كورونا”، قال إنها تتراوح بين 20 – 25 وفاة يومياً بالمستشفيات التابعة لـ”وزارة التعليم” (المواساة والأسد الجامعي).
وأضاف قائلاً “الوفيات أكثر من الضعف إن تم جمع مستشفيات وزارة الصحة مع وزارة التعليم العالي، إضافة إلى وفيات تتوفى في المنازل وتدفن دون التأكد من سبب الوفاة، وبالتالي الوفيات تفوق الـ 100 يومياً بحسب تقديري”.
“حرق الجثث” يؤكد التفشي
أكد مدير مكتب دفن الموتى في دمشق، فراس إبراهيم، ورئيس الطب الشرعي بجامعة دمشق، حسين نوفل، أن أعداد وفيات المصابين والمشتبه بإصابتهم بفيروس “كورونا” في دمشق أخذت بالارتفاع تصاعدياً،
وأماط المسؤولان اللثام في لقاء مع إذاعة “ميلودي إف إم” الموالية للنظام، عن تفاصيل تفشي الفيروس، رغم محاولة حكومة النظام طيلة الفترة الماضية العمل على إخفائها.
وأكد مدير مكتب دفن الموتى فراس إبراهيم، ضمن برنامج “مين المسؤول” أن أعداد وفيات المصابين والمشتبه بإصابتهم بفيروس “كورونا” ارتفعت ابتداءً من العاشر من شهر تموز الجاري، ليصل معدّل الوفيات الوسطي يومياً إلى نحو 40 وفاة.
وأوضح أن المتوفين نتيجة الإصابة بفيروس “كورونا” أو المتوفين بأعراض مطابقة، يتم دفنهم في مقبرة نجها بريف دمشق حصراً وذلك لمنع انتشار الفيروس في الأماكن السكنية.
أما رئيس الطب الشرعي بجامعة دمشق حسين نوفل، فيرى أن أفضل طريقة للتعامل مع جثث المتوفين هي “الحرق” بذريعة أن الفيروس “غير معروف السلوك وهو موضوع بحث علمي، وبأن بعض الدول لجأت فعلاً إلى حرق جثث المتوفين إثر إصابتهم بفيروس كورونا لتضمن القضاء على الفيروس نهائياً” بحسب تعبيره.
وفي حال عدم اللجوء لآلية حرق الجثث، يشدد نوفل على “دفن المتوفى دون غسيل ويغطى بطبقتي كتان مبللة بالكلور ثم طبقة بلاستيكية، ويدفن على عمق أكثر من متر ونصف تحت الأرض، في مدافن خاصة كي لا يتم فتح القبر لاحقاً لتنزيل جثة أخرى وينتشر الفيروس من جديد”.
وطالب بأن يكون الدفن من قبل فريق مدرب ومجهز بلباس خاص يبقى مع المتوفى من التغسيل حتى الدفن، مع منع مرور الناس العادية بالممرات المؤدية للمقابر، وتعقيم الممرات ومكان الدفن وقربه.
ويكشف نوفل عن عدم وجود صورة واضحة عن مدى انتشار الفيروس في مناطق سيطرة النظام مثل باقي الدول لعدم وجود مسحات عامة، ولأن من يتوجه للمستشفيات إما أن يؤخذ منه مسحة أو يطلب منه العودة للمنزل أو الحجر الصحي، ولا يمكن أن نعلم أن الوفيات التي تحدث هي نتيجة “كورونا” أو لقضايا أخرى.
اعتراف مبهم
لم يتأخر نظام الأسد طويلاً لكي يعلق على الأنباء التي تؤكد انتشار الفيروس في مناطق سيطرته بشكل واسع، لكنه جاء على شكل اعتراف مبهم زاد من غموض الواقع، أدلى به وزير الصحة نزار يازجي، متبعاً سياسة التعتيم التي يُتقنها النظام.
وأكد يازجي لصحيفة “الوطن” الموالية، في 25 من تموز الجاري، ازدياد حالات الوفاة في دمشق وحلب ومناطق أخرى، لكنه استدرك قائلاً “لا نعلم إن كانت الوفيات سببها فيروس كورونا، لأننا لم نجر عمليات مسح لكل المرضى ولا نعرف أنهم ماتوا بكورونا”.
وحول عدد المصابين في مناطق سيطرة النظام قال يازجي، إنه لا يعرف العدد لأن المسحات تجري بطريقة غير منضبطة، وفق وصفه.
ووفق مراقبين يعتبر كلام يازجي حول عدم معرفة عدد المسحات، وطبيعة الوفيات، دليلاً آخر على أن النظام ليس في نيته التعامل مع الانتشار بشكل جدي، ووفق خطة قد يعول عليها في الحد من انتشار الفيروس، خاصة وأن النظام أعلن أنه لا يوجد قرار في المنظور القريب حول إعادة فرض حظر التجول، متذرعاً بالواقع المعيشي المتردي.
وتدعو سياسة النظام هذه للتساؤل عن مصير الناس مع “كورونا” في مناطقه، الذين سيواجهون مصيراً مجهولاً أمام هذه السياسيات.
الفقر.. سبب في الانتشار
يعيش سكان مناطق سيطرة نظام الأسد في واقع معيشي متردٍ، يملؤه العوز، ووصل إلى حد الجوع لبعض العائلات، مع فقدانها مصادر دخلها، ويرجع مراقبون ذلك، إلى إصرار النظام منذ عام 2011 على اتباع سياسات أضرت بالاقتصاد، إذ وجهت بوصلتها نحو دعم العمليات العسكرية ضد مناطق المعارضة السورية، وتجاهلت دعم وتحسين الواقع المعيشي.
ووفق ما رصده موقع تلفزيون سوريا، خلال حديثه مع أشخاص في مناطق سيطرة النظام، فإنهم يصرون على الخروج إلى أعمالهم بشكل يومي على الرغم من انتشار “كورونا”، إذ بات هؤلاء يقتاتون عبر أجور يومية تسد رمقهم.
وتصدرت سوريا قائمة الدول الأكثر فقراً بالعالم، بنسبة بلغت 82.5%، بحسب بيانات موقع “World By Map” العالمي.
وأصدر الموقع، في شباط الفائت، بيانات وإحصائيات للسكان الواقعين تحت خط الفقر في كل دولة من دول العالم، وتصدرت سوريا المرتبة الأولى عالمياً من حيث الفقر.
وتتوافق أرقام الموقع مع أرقام الأمم المتحدة، إذ قدرت نسبة السوريين تحت خط الفقر بـ 83%، بحسب تقريرها السنوي لعام 2019، حول أبرز احتياجات سوريا الإنسانية.
وجاء في التقرير أن 83% من السكان يعيشون في فقر مدقع، ونتيجة لذلك استنفدت القدرة على التكيف لدى كثير من الناس في المجتمعات المحلية الأكثر تضرراً في سوريا.
وذكر التقرير أن 33% من السكان في سوريا يعانون من انعدام الأمن الغذائي، وقدر أن 11.7 مليون سوري بحاجة إلى شكل من أشكال المساعدات الإنسانية المختلفة، كالغذاء والمياه والمأوى والصحة والتعليم.
وكان نائب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، فرحان حق، صرح في المقرّ الدائم في كانون الأول 2019 بنيويورك أن أكثر من 80% من الشعب السوري تحت خط الفقر، وأن الأسر التي تعيش في فقر مدقع ستضعف قدرتها أكثر على شراء المواد الأساسية قريباً.
نقلا عن تلفزيون سوريا