ويتساءل كورتولموش “لماذا رسموا الحدود مع العراق عند هكاري وشرناق؟ كان بإمكانهم أن يرسموها ثلاثين كيلومترا إلى الأسفل أو عشرة كيلومترات إلى الأعلى، لكنهم فعلوا ذلك وهم يضعون في خططهم أن تندلع المواجهات الحالية في المنطقة”.
ووفق المسؤول التركي فإن “النظام العالمي يريد تقسيم هذه المنطقة التي رسموا حدودها سابقا بالمسطرة مرة أخرى، وإكمال ما بدؤوه”، ورأى أن تركيا -حسب هذا المخطط- لن تكون بعيدة عن خطط التقسيم، معتبرا أن “الحدود القومية للأتراك وبعد أن تقلصت في فترة انهيار السلطنة العثمانية وتأسيس الجمهورية، يراد لها الآن أن تُقلص مرة أخرى”.
لكن هل هناك خطر فعلي يعتمده الأتراك في حديثهم عن مخطط تقسيم قد يشمل جزءا من بلادهم؟
خارج الحدود
يقول الباحث في مركز “أوساك” للدراسات الإستراتيجية في أنقرة الخبير محمد ييغين “إن هذه المخاوف التي يجري الحديث عنها قد تكون نابعة من التطورات الأخيرة التي تشهدها المنطقة، وعلى رأسها ما يحدث في شمال سوريا”.
ويضيف ييغين أن تشكُّل مناطق كردية واسعة في شمال سوريا تضاف إلى ما هو موجود أصلا في شمال العراق، وتفاقم الصراع معحزب العمال الكردستاني، كل ذلك يدفع تركيا إلى القلق من وجود جهود تعزز فكرة انفصال المناطق الكردية عنها، خصوصا أن الدعم الذي تتلقاه القوات الكردية في الشمال السوري من كل القوى الكبرى يجعل مخاوف أنقرة مشروعة في هذا الاتجاه.
ومن الواضح -وفق مراقبين- أن الأتراك يضعون نصب أعينهم ما يحدث في شمال سوريا من توسع الرقعة التي بدأت قوات حماية الشعب الكردية السيطرة عليها، إذ باتت تسيطر تقريبا على كامل الشمال السوري من عين ديوار شرقا إلى عفرين غربا، ولم يتبق سوى إعزاز ومارع وبضع قرى في ريف حلب الشمالي، وهي محاصرة من قبل القوات الكردية.
وتعمل المدفعية التركية على منع تقدم قوات حماية الشعب ومن يدعمها من قوات سوريا الديمقراطيةباتجاه إعزاز، وإن كانت تركيا تضع ذلك القصف في إطار ما تسميها قواعد الاشتباك وردا على نيران تطلق من الجانب الآخر، فإن هدفه الأساسي هو محاولتها الحفاظ على ما تقول إنه الممر الوحيد المتبقي لها مع حلب، ولمنع إتمام سقوط كامل الشمال السوري بيد تلك القوات التي تعتبرها أنقرة امتدادا لحزب العمال الكردستاني وتهديدا أمنيا حقيقيا لوحدة أراضيها وأمنها القومي.
قلق داخلي
وإن كان المشهد خارج الحدود التركية يدعو الأتراك إلى القلق، فإن قلقا آخر يساورهم من تطور الأحداث داخل أراضيهم، فالأشهر الثلاثة الأخيرة شهدت تطورات في مشهد الحرب بين الجيش التركي وحزب العمال الكردستاني، وقد قامت هذه التطورات على عاملين أساسيين:
أولا- التغيير النوعي في عمليات حزب العمال التي انتقلت من حلبتها التقليدية في الجبال والمناطق الحدودية على مدى العقود الأربعة الماضية وانحصارها في عمليات محدودة تستهدف الجيش والشرطة في الداخل التركي، إلى اشتباكات ومواجهات مباشرة داخل المدن في شرق وجنوب شرق تركيا ومحاولة السيطرة على بعض المراكز فيها.
ثانيا- إعلان عدد من القوى الكردية في تركيا نهاية العام 2015 عن خارطة طريق سيتبعها أكراد تركيا في سبيل إعلان الإدارة الذاتية في المناطق التي يشكلون فيها أغلبية في القسم الشرقي من البلاد. وأهم ملامح تلك الخارطة هو انتخاب مجالس تحكم تلك المناطق بما يساهم في تقليل سيطرة الحكومة التركية سياسيا واقتصاديا وأمنيا.
ومع ذلك فإن بلال سمبور الباحث في الشأن الكردي وعضو الهيئة التعليمية بجامعة يلدرم با يزيد لا يرى خطرا حقيقيا نابعا من أكراد تركيا، ويقول “إن المؤشرات الحالية تدل على عدم وجود نية حالية لدى الأكراد في شمال سوريا وداخل تركيا للعمل بشكل مشترك”.
ويضيف سمبور أنه بناء على المعطيات التي رافقت التطورات في السنوات الأخيرة فإن الأكراد الموجودين في تركيا يميلون في غالبيتهم إلى دولة ديمقراطية تحفظ حقوقهم، أكثر من ميلهم إلى العيش ضمن كيان واحد تحت اسم كردستان، وأن نسبة من يطالب في تركيا بدولة مستقلة للأكراد أقل من 10%.
خطر أم مخاوف؟
ويؤكد الخبير محمد ييغين عدم وجود سيناريو محدد يمكن أن يحقق هذا التقسيم فيما لو كان واقعا حقيقيا، واستشهد بما حدث في سوريا بالقول “لا نعرف الطريقة التي قد يتحقق بها الخطر، فقبل أحداث سوريا لم يكن أحد يصدق أن ما حدث قد يحدث”. ومع ذلك يضيف “أن تركيا دولة مؤسسات وجيشها قوي، وهي تعلن أنه لا فرق بين مواطنيها سواء أكانوا أتراكا أم أكرادا، وكل ذلك يشكل ضمانات لوحدة أراضيها”.
غير أن الباحث سمبور يرفض أن يكون هناك خطر حقيقي واضح حاليا يتعلق بتقسيم البلاد وانفصال الأكراد، ويؤكد أن “المخاوف الموجودة لدى المسؤولين الأتراك نابعة فقط من قراءتهم لما يحدث في سوريا والعراق”.