يأتي هذا في وقت تجد فيه السلطات التركية نفسها في وضع صعب أمام ضغوط واشنطن، ما قد يدفعها إلى الرهان على التقارب مع روسيا أو الصين الأمر الذي يهدّد علاقتها بحلف شمال الأطلسي، ويربك خططها لعضوية الاتحاد الأوروبي.
وقال مكتب الاتصالات الحكومي في قطر، الأحد الماضي، إن “تركيا حليف يمكننا وضع الثقة به. لدينا ثقة كاملة في قوة الاقتصاد التركي وستستمر استثماراتنا في تركيا كالمعتاد”.
ووجه الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني رسالة إلى من أسماهم بالشامتين من تدهور الوضع الاقتصادي لتركيا. وكتب على حسابه في تويتر “أنا متأكد أن تركيا ستخرج من هذا الوضع بقوة، قد يأخذ ذلك وقتا ولكنّ هناك إرادة وعملا. قد لا أتفق مع بعض سياسات تركيا، ولكن تركيا المسلمة القريبة لنا لا تستحق منا هذا العداء غير المبرر ولمصلحة من؟”.
ومن الواضح أن الوضع السياسي لتركيا هو ما يقلق قطر، خصوصا أن الرئيس التركي أردوغان مستمر في التصعيد، ما قد يدفع الولايات المتحدة إلى توسيع دائرة عقوباتها إلى أبعد من الرسوم على الفولاذ والصلب، وأنها قد تستهدف لاحقا الجهاز المصرفي في تركيا، ما يجعل هامش المناورة القطري في دعم أردوغان، الذي تمتلك بلاده قاعدة عسكرية تحمي قطر وحكامها من أي انتفاضة داخلية، وإسداء مقابل ذلك الجميل بالعملات الأجنبية، يجعله أمرا مستحيلا.
وتعتقد أوساط خليجية أن الدوحة المقامرة لا تريد المبالغة في إظهار دعمها لحليفها أردوغان، وأنها لا تتقن غير التسلّي. وهذا يعني أنه لا أمل بأن تضخ الدوحة العشرات من المليارات لإنقاذ اقتصاد تركي ينوء تحت دين 300 مليار دولار.
وقال مصرفي خليجي لصحيفة فاينانشيال تايمز “من المرجح أن تكون قطر واحدة من أوائل الدول التي تتطلع إليها تركيا للحصول على الدعم”. لكن الحظر فرض على شبه الجزيرة تحديات مالية خاصة بها. وقد يكون الانحياز إلى جانب تركيا في نزاعها مع الولايات المتحدة أمرا غريبا بالنسبة لقطر، ولا سيما وأنها تستضيف أكبر قاعدة عسكرية أميركية في المنطقة وفي الوقت ذاته تسعى إلى كسب دعم الولايات المتحدة في نزاعها مع الدول الخليجية المنافسة.
وتجد قطر نفسها في مشكلة حقيقية، فإذا ساهمت بالقليل، فسيبتلعه الثقب المالي الأسود الذي يتشكل الآن في ضوء استمرار تهاوي العملة التركية، وإذا ساهمت بالكثير، فإن عليها تحمل تبعات خطيرة على اقتصادها وهي التي لا تزال تعاني بسبب المقاطعة الإقليمية.
ويرى بعض المراقبين أنه في الوقت الذي يتعين على تركيا جذب أكثر من 200 مليار دولار سنويا من التمويل الأجنبي للحفاظ على اقتصادها، لن يكون لدى أردوغان أي خيار سوى الاستسلام في نهاية المطاف، والتنازل أمام تمسك ترامب بالإفراج عن القس الأميركي المعتقل في السجون التركية، واتخاذ مجموعة من التدابير التي تهدف إلى طمأنة المستثمرين.
لكن قد يحاول الرئيس التركي هذه المرة اللجوء إلى روسيا أو قطر أو الصين للحصول على الدعم، مما يؤدي إلى مزيد من تشويه العلاقات، الضعيفة بالفعل، بين تركيا ودول الغرب.
وقد استجابت تركيا لدعم الصين. فبعد ساعات من إطلاق ترامب لأول مرة تهديده بفرض “عقوبات كبيرة” على تركيا الشهر الماضي، أعلن براءت البيرق، وزير المالية وصهر أردوغان، أن بنك الصين المركزي سيقدم قروضا بقيمة 3.6 مليار دولار لقطاع الطاقة والنقل التركي.
وأعرب تيم آش، المحلل في مؤسسة “بلوباي أسيت مانجمينت” عن شكوكه في أن تركيا قد تجد الدعم الذي تحتاج إليه من الدول غير الغربية قائلا “الأتراك بحاجة إلى عشرات المليارات من الدولارات. وإذا كان الأمر متعلقا ببرنامج صندوق النقد الدولي، فمن المحتمل أنك تتحدث عن مبلغ بقيمة 20-40 مليار دولار. أما روسيا، فلديها مشكلاتها الخاصة بها بعد أن خضعت للعقوبات الأميركية، في حين أن الصين ستكون حذرة من إغضاب الأميركيين، وقطر لن تكون قادرة على تقديم الدعم الكافي من تلقاء نفسها”.
وردد هذا الرأي بهلول أوزكان، وهو أستاذ مشارك في العلاقات الدولية في جامعة مرمرة في إسطنبول قائلا “إذا تم قطع العلاقات مع دول الغرب، فلن نتمكن من الحصول على الكمية الكافية من رأس المال من الصين أو روسيا أو الخليج”.
لكن بعض المراقبين يخشون من أنه حتى لو تراجع أردوغان، فإن الخلاف سوف يلحق ضررا مستمرا بعلاقة الغرب مع دولة تمتد عبر أوروبا والشرق الأوسط، وهي موطن قاعدة جوية أميركية كبرى وتستضيف 3.5 مليون لاجئ سوري.
وقال دبلوماسي غربي كبير “دبلوماسية ترامب الوعرة ستدفع تركيا إلى أيدي الروس. سوف يبحث أردوغان عن حلفاء آخرين. وستتشكل هناك تحالفات جيوسياسية جديدة من الممكن ألا نحبها”.
المصدر:العرب