“لا أحد يملك حياة وردية ولا قلباً خالياً من الأحزان، لكن يبقى من يقبع وراء القضبان وفي أقبية التعذيب هو الأشد ألماً ووجعا” تلك كلمات أبي محمود المفرج عنه من سجن حماة المركزي بعد مضي عدة سنوات عانى فيها ألوان الظلم والحرمان وليالي أشد ظلمة من ليل شتاء طويل.
يتابع أبو محمود حديثه قائلاً” بات قلق النظام في مدينتي الهادئة واضحاَ من سجنها المركزي، الذي يقع غرب المدينة ويطل على نهر العاصي، ومن جهة الغرب على المدينة الصناعية، ويلفه من باقي جهاته حي القصور فعمليا هو يقلق كل الجهات المجاورة له”.
نهض أبو محمد ليغيّر مكان جلوسه فهو في حالة صحية لا تسمح له المكوث طويلاً ودمدم متحسراً “حماه.. مدينتي الجريحة التي لا يكاد يخلو بيت فيها من معتقل أو شهيد أو مهجر.. حماة ذاقت مرارة الألم مرتين في عهد الآباء الذين رفضوا الظلم ورغم تزايد الألم أكمل أبناؤهم مسيرة نضالهم التي ستبقى مشتعلة بإذن الله حتى تشرق شمس الحرية فيها”.
أخرج أبو محمود من جيبه بخاخ الربو وأفرغ القليل منه ليستطيع أن يستعيد أنفاثه المتقطعة وروى لنا واصفاً السجن مكان اعتقاله “يبدأ ذلك السجن من الباب الأبيض ومن بعدها جناح الإسلاميين وجناح الأحكام المختلفة وطبعاً جناح الاحترازي مقطوع عن البقية كونه يحتوي موالين للنظام ممن يدعون “الشبيحة” وخصص جناح آخر يسمى “جناح الشغب” وأي جناح يا ترى؟!.. جناح من هتف عالياً من أجل الحرية من ثوار حماه ودمشق ودير الزور وإدلب وحلب وحمص كلهم أخوة شرفاء اعتقلوا من بداية 2011″.
لكن يبقى السؤال هل هؤلاء المعتقلون يعانون فقط من زبانية النظام، أم أن أشرار الناس في السجن وحثالته ممن يتلوّنون بحسب الوضع هم أيضاً طرف آخر من المعاناة؟
هز أبو محمود رأسه المثقل بالهموم وبنبرة حزينة أخبرنا عن معاناته من “طرفي الكماشة” قائلا: “مع تلقي عناصر النظام وحراسه التعليمات المشددة لكسر شوكة الشرفاء من قبل ضباط وزبانية النظام التي تعلو رؤوسهم الفارغة حتى تصل سقف سجنهم لجأ الحثالة من السجناء الموالين لممارسة التشبيح والعنف لنقل صورة خاطئة عن الموقوفين الشرفاء على أنهم إرهابيون وكنا نعاني الأمرّين بتآمر الطرفين علينا.. لله المشتكى”.
عداك عن المحاكمات التعسفية التي يخضع لها المعتقلون، التي تنتج عنها نية النظام المكشوفة في تنفيذ حكم الإعدام للعديد من السجناء.
وبنفَس حرق قلبي قبل أن يخرج من صدرأبي محمود الملتهب غضبا وأسى.. “آه..آه” دمدم وهو يحدثنا عن “محكمة “الإرهاب” تلك المحكمة التي اختلقها النظام ليلصق بها التهم بالأبرياء وتكون الشمّاعة التي يعلق عليها تفاهته وجرائمه نظام فقد شرعيته أمام صمت دولي وموالين طامعين بوطني الحبيب سوريا.. لله أشكو ضعفي، ورغم نجاتي من سجنهم إلا أني لا أغفل للحظة بالدعاء لمن بقي يعاني الأمرّين راجياً الله لهم الفرج العاجل والخلاص بنيل الحرية.. التي لاحت بوادرها في الأفق”.
وبابتسامة الأمل ودّعنا أبو محمود راجين له الشفاء من مرض السل الشيء الحيد الذي حصل عليه في المعتقل، وهاه يلازمه بقية عمره.
المركز الصحفي السوري- بيان الأحمد