تركيا من جديد تتصدى لمشروع كبير مايزال يرتسم في الخارج بأقلام الدول العالمية المهيمنة التي تسعى إلى إعادة ضبط خرائط المصالح في منطقتنا العربية, فهي اليوم تقف علانية إلى جانب قطر, وتعلن عن نيتها دعم حكومة الأخيرة حتى النهاية, بالرغم من خطورة هذا الموقف الذي اختارت الحكومة التركية وضع نفسها في مواجهة تداعياته..
حيث أعلن مسؤولون أتراك أن القاعدة التركية في قطر, والتي يتوقع أن يزداد حجمها من ناحية العدة والعديد في الأيام القادمة, لتضم أكثر من خمسة آلاف جندي تركي, ليست لحماية دولة قطر وحدها, بل لحماية دول المنطقة جميعها, وهذا التصريح يحمل الكثير من المعاني, ويرسل العديد من الرسائل إلى جهات إقليمية ودولية مختلفة..
خطورة القرار التركي:
الموقف التركي الجديد, والذي تمخض عنه إرسال هذا الرقم الكبير من الجنود الأتراك إلى “الدوحة”, قد يضع تركيا في رأس حربة مواجهة التداعيات المحتملة بشكل مباشر, سيما وأن بعض المراقبين اعتبروا هذا القرار غير منطقي ويخالف جميع الوقائع, لماذا؟
هناك إيران التي ينظر إليها مجلس التعاون الخليجي على أنها دولة ذات مطامع ومشاريع توسعيه نحو منطقة الخليج بشكل عام, وإيران تحديدا,ً هي على خلاف كبير مع تركيا حول موقفها من دعم الثورة السورية, ومساندتها للثوار في عملية درع الفرات التي شارك بها الجيش التركي إلى جانب فصائل المعارضة المسلحة, فكيف لحكومة نظام الملالي في طهران القبول بواقع انتشار آلاف الجنود الأتراك في قطر الدولة الخليجية التي تضعها إيران في أعلى هرم حساباتها التوسعية؟!, وكيف ستقبل إيران أن تزواد تركيا على حمايتها باعتبارها دولة مؤثرة في الإقليم وهي قوة عسكرية غازية, ومختلفة فكرياً وإيديولوجياً عن تركيا القوة الإقليمية المماثلة؟!
وعلى الضفة الأخرى يبرز موقف كل من المملكة العربية السعودية, ودولة الإمارات العربية المتحدة, فإنهما يعتبران وجود هذه القاعدة في دولة خليجية لديهم خلافات عميقة معها هو تهديد لأمنهما, وليس حماية هذا الأمن, سيما وأن اختلاف مواقف هذه الدول الثلاث هو موجود بالأصل, وساهم في شرذمة الفصائل العسكرية السورية المسلحة, التي تفرقت مقابل الدعم المشروط من هذه الأطراف الثلاث المختلفة بالرؤى والمصالح, لذلك سيكون لهذا القرار انعكاسات كبيرة في المستقبل في سورية, وحتى في قلب منطقة الخليج العربي..
على أية حال يبدو أن القرار هو خيار تركي لا بديل عنه, فتركيا اليوم تستشعر استهدافها أكثر من أي وقت مضى, فالمخططات الخطيرة التي تستهدف وحدتها مستمرة على حدودها الجنوبية, مع استمرار تعنت واشنطن في دعم الوحدات الكردية الانفصالية بالمال والسلاح, لذلك وجدت نفسها مجبرة على الدفاع عن حدودها بنقل القضية بعيداً عن حدودها, من خلال دعم حلفائها القلائل في المنطقة العربية, وإن كان هذا الدعم سيحرجها تحت إطار عدم قيام دول المنطقة بمساندة تركيا في إرسال قواتها إلى قطر التي لديها خلافات افتعلتها أطراف ذات مصالح بعيدة, وأججت نارها مع كل دول المنطقة.
وفي خضم كل هذه الأحداث المتسارعة في المنطقة, هناك من يعتقد أنّ إنشاء قاعدة تركية في قطر ليس بفعل الأزمة الأخيرة التي انفجرت بين قطر وبين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية، بل إنّ اتفاق إنشاء هذه القاعدة سابق لاندلاع الخلاف، وقد يكون احد أسباب هذا الخلاف، إضافة إلى الأسباب الأخرى المعلنة.
وهناك من يقول أن القاعدة التركية في قطر هدفها حماية المشروع الذي يقوده رواد “الإسلام السياسي” في المنطقة والذي تتزعمه قطر وتركيا, ولهذا السبب تعتقد أبو ظبي والرياض أنّ هذه القاعدة هي تهديد لأمنهم ولاستقرار المنطقة. ومن هذا المنطلق تعارضان إقامة هذه القاعدة لأنها تؤثر على توازن القوى في منطقة الخليج العربي في غير مصلحتهما,فضلاً عن أنه يستفزّ الولايات المتحدة التي لا ترغب بمشاركة أي دولة أخرى بوجود عسكري فاعل خارج إطار القوات العسكرية التي تقودها الولايات المتحدة، سيدفع الإمارات والسعودية إلى الوقوف بقوة أكبر ضدّ قطر، ومن غير المستبعد أن يكون من بين شروط أيّ تسوية للخلاف إرغام الدوحة على التراجع عن إقامة القاعدة العسكرية التركية على أرض قطر.
بالرغم من كل هذه التحليلات والتخمينات يظهر القرار التركي مدى شجاعة الدولة التركية, ومدى تأثير قرارها الخارجي في الأزمات والتوازنات الإقليمية, رغم التداعيات التي قد تحرج تركيا مستقبلاً, ولكنها تبقى دولة ذات شأن..
المركز الصحفي السوري – حازم الحلبي.