• د. محمد عادل شوك
على الرغم من أنها ليست المرة الأولى التي تستهدف فيها طائرات الأسد لقوات عملية درع الفرات، حيث قامت قبل شهر تقريبًا، في: 26/ 10، بإلقاء عدد من البراميل المتفجرة عليها للحدّ من تقدمها جنوب مدينة مارع، بعد سيطرتها على قريتي تل المضيق وتل جيجان، تزامنًا مع مواجهاتها المستمرة مع قوات سورية الديمقراطية بريفي مارع وتل رفعت، في محاولة كل منهما التقدم على حساب الآخر.
إلاَّ أنّ الأمر مع عملية يوم الخميس : 24/11، في محيط مدينة الباب مختلف عن سابقتها، فهي المرّة الأولى التي يكون فيها الاستهداف مزدوجًا و مباشرًا لتلك القوات، حيث قامت طائرات النظام في الساعة الثالثة والنصف فجرًا، أولاً باستهداف عناصر الجيش التركي، نتج عنه مقتل ثلاثة جنود و جرح عشرة آخرين، ثمّ أعقبتها بساعات قليلة بضرب فصائل الجيش الحرّ المرافقة له.
الأمرُ الذي يجعلها ذات أبعادٍ و دلالات لافتة للنظر، فهي تأتي في ظلّ جملة من المستجدات و الأحداث، التي تجعل القراءة فيها تأخذ مناحي أخرى، تتباين كثيرًا عن سابقتها، من ذلك:
1ـ سحب الشرعية الدولية عن عملية درع الفرات:
جاء هذا الاستهداف بعد أسبوع واحد من إعلان المتحدث باسم التحالف الدولي ( العقيد الأميركي جون دوريان ) بأنّ التحالف لا يدعم العمليات الحالية على مدينة الباب، و أنّها خيار تركي وطني، مما يعني أن المظلة الشرعية الدولية لقتال داعش في سورية، ممثلة بالعديد من الدول الغربية و على رأسها الولايات المتحدة، لم تعد تظلل التدخل التركي عند اقترابه من الباب، في حين أكدت الولايات المتحدة في مراحل سابقة أنّ التحالف يدعم تلك العملية لتركيا.
و قد جاء هذا التطور قبل أن يتعقد المشهد أكثر، و يدخل الطرفان في تجاذبات على خلفية عدم استجابة الولايات المتحدة لوعودها، التي قطعتها لتركيا بانسحاب الوحدات الكردية، خارج منبج إلى شرقي الفرات، و ما ترتب على ذلك من ضربات جوية تركية بالقرب من مدينتي الباب و منبج، لتلك الوحدات، المصنّفة بأنها حليفة الولايات المتحدة.
و بذلك تكون تلك التصريحات بمثابة إفساح المجال للأسد، للتعامل مع هذا التدخل التركي، واعتباره لأول مرة ( غزوًا، و احتلالاً )، فهو خيار فرديّ لدولة داخل أراضي دولة مجاورة لها.
2ـ تجميد مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي:
أوصى البرلمان الأوروبي يوم الخميس: 24/ 11، بأغلبية ساحقة ( 479 مؤيد، 37 ضد، 107 ممتنع ) بقرار غير ملزم، المفوضيةَ الأوروبية وحكوماتِ ثمانية وعشرين دولة هي أعضاء الاتحاد، بتجميد مفاوضات انضمام تركيا مؤقتًا، بدعوى الإجراءات الأمنية و حملة الاعتقالات التي اتخذتها الحكومة التركية عقب المحاولة الانقلابية الفاشلة في: 15/ 5.
صحيح أنّ هذا التصويت بلا قيمة، كما وصفه الرئيس أردوغان، و بأنّه غير ملزم لقادة الاتحاد لإيقاف هذه المفاوضات المتقطعة، التي بدأت منذ 2005؛ إلاّ أنّه مؤشر على حجم التوتر الذي شاب العلاقات مع الاتحاد الأوروبي مؤخرًا، إلى الحدّ الذي ذهبت فيه تركيا في: 5/11، باتهام معظم دول الاتحاد الأوروبي بدعم حزب العمال الكردستاني.
و يذهب المراقبون أن هذا الأمر قد جاء كردّ فعل على مساعي تركيا من التقرّب من روسيا، و في محاولة للتهرّب من استحقاقات اتفاق آذار: 2015، الذي يحد من الهجرة غير الشرعية إلى القارة، على أن تقوم دول الاتحاد بدفع مساعدات مالية إلى تركيا تصل إلى ثلاثة مليارات دولار، و بإعفاء مواطنيها من تأشيرة دخول دول الشنغن ابتداءً من شهر: 1/ 2016م الفائت.
و بذلك تكون العلاقات التركية مع حلف شمال الأطلسي قد دخلت أسوأ فصولها، و لم تعد المساعي التركية في البحث عن بدائل ( شرقًا ) سرية، فقد جددت رغبتها بالانضمام إلى منظمة شنغهاي، المكونة بشكل أساسي من الصين و روسيا.
3ـ المحادثات التركية ـ الروسية بخصوص حلب:
أشارت المعلومات القليلة التي رشحت عبر وسائل الإعلام، و أهمها ( صحيفة الشرق الأوسط )، أن تركيا تبذل مساعي لوقف الهجمات الروسية على حلب، من خلال رعايتها محادثات بين عدد من الفصائل و روسيا في تركيا، تهدف إلى طرح مبادرة إدارة ذاتية للأحياء الشرقية فيها، بعيدًا عن الرؤية الإيرانية ـ السورية، و كذا الأمريكية في ظلّ إدارة أوباما الراحلة.
و قد حرصت كلٌّ من روسيا و تركيا على إنضاجها قبل الكشف عنها، و لذلك كان ردّ الوزير لافروف على المبعوث دي ديمستورا قاسيًا، عندما بادر من طهران ( بشكل منفرد ) إلى طرحها على الملأ؛ فاتهمه بأنه يسعى من ذلك إلى تقويض هذه المحادثات ( الروسية ـ التركية )، بخصوص السلام في سورية.
لذلك تذهب الآراء إلى أنّ تقاطع المصالح ( الأمريكية ـ الأوروبية ـ الإيرانية ـ السورية ) قد كان وراء غض الطرف عن هذا القصف المزدوج للقوات المشتركة في عملية درع الفرات قرب مدينة الباب.
وكالات