حزمت قوى المعارضة السورية أمرها باتجاه المشاركة في مؤتمر جنيف المزمع عقده في 20 الشهر الجاري، وسمّت وفدها الى المفاوضات، وذلك بالتزامن مع تسارع التطورات الميدانية حيث تسعى القوى الفاعلة إلى تحسين تموضعها على الأرض استباقاً لأية استحقاقات سياسية، أو لمحاولة توجيه تلك الاستحقاقات باتجاه مصالحها ورؤيتها للحل.
وفي ختام اجتماعاتها في الرياض أصدرت قوى المعارضة ممثلة بالهيئة العليا للمفاوضات والائتلاف الوطني وممثلين عن قوى الثورة العسكرية والفصائل الثورية بيانها الختامي الذي تضمن اختيار نصر الحريري رئيساً للوفد المفاوض، وأليس مفرج نائبة للرئيس، ومحمد صبرا كبيراً للمفاوضين، فيما جرى تسمية أعضاء الوفد المفاوض الذي يبلغ قوامه 21 عضواً يمثلون مختلف المكونات العسكرية والمدنية، إضافة إلى تشكيل وفد استشاري يضم 20 عضواً من الاختصاصيين في الشؤون السياسية والقانونية والعسكرية.
وقال بيان الهيئة “إنّ الشروع في المفاوضات يتطلب الجدية واتخاذ إجراءات ملموسة لبناء الثقة عبر الالتزام بالهدنة، وتنفيذ مضامين البنود 12 و13 و14 من القرار الدولي 2254 والتي تنص على حماية المدنيين، وإطلاق سراح المعتقلين، وفك الحصار، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين، وضرورة أن يشعر الشعب السوري بتحسن ملموس على الأرض يمهّد للشروع في أية عملية تفاوضية”.
وأكد المجتمعون أن الهدف من المفاوضات هو تحقيق الانتقال السياسي تحت رعاية أممية، رافضين أي تدخل خارجي يطرح دستوراً أو وثائق نيابة عن الشعب السوري فيما يخص رؤيته لمستقبله ومستقبل وطنه، وأكدوا على أنه لا دور على الإطلاق لبشار الاسد وزمرته في المرحلة الانتقالية ولا في مستقبل سوريا، وأنه تجب محاكمتهم.
وفي ختام الاجتماع قررت الهيئة العليا للمفاوضات إنهاء عمل وفد التفاوض السابق وشكلت وفداً جديداً نصف أعضائه ممثلون عن القوى العسكرية إضافة إلى ممثلين عن المكونات السياسية في الهيئة، كما يضم الوفد ممثلين عن منصتَي القاهرة وموسكو.
ولم يخلُ تشكيل الوفد من اعتراضات، حيث أعلنت حركة “صقور الشام” المندمجة مع أحرار الشام تعليق مشاركتها في أية مفاوضات سياسية إلى أن يتم الالتزام بوقف إطلاق النار والقصف عن جميع المناطق المحررة، وهو موقف سبق إليه جيش “العزة” و”فيلق الشام” المنتمين إلى الجيش الحر، فيما رفضت منصة القاهرة أن يكون لها مقعد واحد فقط، غير أن نجاح المعارضة في تشكيل وفد يضم أوسع طيف من المعارضين إلى مفاوضات جنيف 4 شكّل نجاحاً مهمًا لها حيث تمكنت من إسقاط الشروط التي حاول فرضها عليها المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا وأطراف دولية بضرورة تشكيل وفدها المفاوض قبل 8 شباط الحالي، وإثبات مرجعية الهيئة العليا للمفاوضات كطرف وحيد في تشكيل الوفد والتأكيد أن لا خلافات بين مكوّناتها، على الرغم من محاولات موسكو وطهران في المدة الأخيرة خلق منصات تفاوض جديدة وتعويم أخرى لإشراكها في وفد المعارضة المفاوض.
وقد منحت الهيئة العليا للمفاوضات مقعداً لمنصة القاهرة، ومثله لمنصة موسكو “بشرط الالتزام ببيان الرياض”، ولكن منصة “القاهرة” طالبت بـ”حضور متساوٍ” قوامه: ثلاثةٌ عسكريون، وثلاثة من الهيئة، وثلاثة من منصة القاهرة، وثلاثة من منصة موسكو، وهو ما رفضته الهيئة العليا، كما اعترض بعض أعضاء منصة القاهرة على التمثيل الواسع للفصائل العسكرية في الوفد المفاوض.
وجاء ذلك بعد زيارة وفد من الائتلاف الوطني السوري إلى موسكو وقبوله وجود ممثل لمنصة تدعمها موسكو في الوفد المفاوض، وتزامن اجتماع الرياض مع “إنتاج” منصة جديدة في العاصمة اللبنانية بيروت مؤلفة من شخصيات مقربة من نظام الأسد باسم “الكتلة الوطنية السورية”، والتي كان أبرز المتحدثين باسمها مؤسس “تيار بناء الدولة” لؤي حسين، وأبرز مبادئها أن “مقام رئاسة الجمهورية السورية لا يجوز البت فيه في المحافل الدولية”.
وفي الطريق إلى جنيف أعلنت وزارة خارجية كازاخستان أن النظام والمعارضة مدعوان لجولة جديدة من محادثات السلام في 15 و16 الشهر الجاري في العاصمة الكازاخية آستانا.
ومن المتوقع أن تتم خلال الجولة المقبلة من محادثات آستانا مناقشة وقف إطلاق النار وإجراءات إحلال الاستقرار في مناطق معينة وغيرها من الخطوات العملية التي يجب اتخاذها تمهيداً لمحادثات جنيف وذلك بعدما كان قد تم الاتفاق في الجولة الأولى على العمل على تثبيت وقف إطلاق النار.
معارك الشرق
وتزامنت معركة تشكيل الوفد المفاوض مع معارك ميدانية في عموم المناطق السورية، وخاصة شرقي البلاد، حيث تتصارع الإرادات الدولية والإقليمية والمحلية لتثبيت وقائع جديدة على الأرض.
وفي هذا الإطار تمكنت قوات الجيش السوري الحر المنضوية ضمن عملية “درع الفرات” من فرض سيطرتها على مناطق مهمة في غربي وشمالي مدينة الباب التي يسيطر عليها تنظيم الدولة، بالتزامن مع رسائل سياسية وعسكرية واضحة حرصَ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على إيصالها قبيل البدء في جولة تشمل عدداً من الدول الخليجية، تتعلق خصوصاً بالمضي قدماً في العمليات العسكرية وصولاً إلى مدينة الرقة السورية معقل تنظيم “داعش”، فضلاً عن التمسك بإقامة منطقة آمنة في سوريا.
وأعلن أردوغان أنه بعد تحرير مدينة الباب ستكون الوجهة شرقاً نحو منبج والرقة مشيراً الى أن الهدف النهائي لتركيا هو تطهير مساحة 5 آلاف كيلومتر مربع في الشمال السوري لتشكيل منطقة آمنة خالية من الإرهاب، ما يحُوْل دون الهجرة من سوريا، إضافة إلى عودة المقيمين في المخيمات إلى بلادهم، وأكّد عدم إمكانية إقامة منطقة آمنة في سوريا من دون إعلان منطقة حظر جوي مشيراً إلى أنه بحث هذا الأمر مع روسيا والولايات المتحدة والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، معتبراً أنه “يكفي أن يصدر قرار من مجلس الأمن الدولي بهذا الخصوص، ومن الممكن بعدها الانتقال إلى مرحلة التنفيذ”.
وجاء حديث أردوغان عن المنطقة الآمنة بالتزامن مع تحقيق قوات “درع الفرات” المدعومة من تركيا تقدماً شمالي مدينة الباب وسيطرتها على دوار تادف في مدخل مدينة الباب من الطرف الجنوبي، وذكرت غرفة عمليات “حوار كلس” أن الفصائل المقاتلة تمكنت من السيطرة على هذا الموقع والنادي الرياضي ومبنى الحزب والصوامع وشارع زمزم في مدينة الباب بعد اشتباكات مع عناصر “داعش”، وتأتي أهمية دوار تادف كونه يقع في المدخل الجنوبي لمدينة الباب بريف حلب الشرقي، ومع سيطرة “الجيش الحر” عليه، يقطع بالتالي الطرق أمام تقدم قوات نظام بشار الأسد نحو المدينة.
وكانت فصائل درع الفرات قد تمكنت قبل ذلك من السيطرة على جبل الشيخ عقيل والمشفى الوطني والدوار الغربي والمحلق والسكن الشبابي غربي مدينة الباب، وذلك بعدما استقدمت تعزيزات عسكرية جديدة إلى محيط مدينة الباب.
وفي المقابل سيطرت قوات نظام الأسد على بلدة تادف الاستراتيجية جنوبي مدينة الباب بدعم من الطيران الروسي، وبذلك تكون تلك القوات قد وصلت إلى الخط الفاصل مع فصائل “درع الفرات”، والذي تحدثت عنه وزارة الدفاع الروسية في بيان لها السبت الماضي مشيرة ألى أنه تم التنسيق حول هذا الخط مع الجانب التركي.
وتوقعت مصادر عسكرية في المعارضة السورية أنْ تتجه قوات “درع الفرات” بعد سيطرتها على مدينة الباب وتطهرها من عناصر “داعش” جنوباً باتجاه دير حافر ومسكنة، بغية الاقتراب من مدينة الرقة.
ويرى مراقبون أنّ تمكُّن القوات التي تدعمها تركيا، والتي يقول أردوغان إنها يجب أن تتحول إلى جيش وطني سوري، من التوجه بعد الباب إلى منبج ومن ثم الرقة يعني في المحصلة توجيه ضربة قاسمة ليس للمشروع الكردي الانفصالي وحسب، بل لرأس نظام الأسد أيضاً، مشيرين إلى أن القضاء على “داعش” في سوريا سوف يوجه البوصلة تلقائياً باتجاه النظام الذي استفاد كثيراً من وجود التنظيم المتطرف، في صرف الانتباه عن جرائمه بحق الشعب السوري، وإلصاق تهمة الإرهاب بفصائل المعارضة التي تقاتله. ومن هنا – يضيف المراقبون- يأتي حرص النظام على الالتحاق بالمعركة ضد “داعش”، حتى يصبح شريكاً في القضاء عليه بعدما كان شريكاً في انتشاره.
وفي هذا الإطار تُواصل “قوات سوريا الديمقراطية” التي تحرص على أن يكون لها حضور في معارك اقتسام تركة “داعش”، الزحف باتجاه مدينة الرقة، وأعلنت سيطرتها على قريتين في ريف الرقة من يد التنظيم، ضمن المرحلة الثالثة من عملية “غضب الفرات”.
وثمة قوة جديدة تتهيأ للنزول إلى الساحة نفسها، وهي تلك التي يقودها رئيس “تيار الغد” السوري المعارض أحمد الجربا والتي يقول أنها تضم ثلاثة آلاف مقاتل وتتلقى تدريباً من الجيش الأميركي.
الغوطة ودرعا
ولا يقتصر التصعيد الميداني على شرقي البلاد، حيث تزداد وتيرة المواجهات مع قوات النظام في الجبهات الشرقية من الغوطة الشرقية منذ بدء وقف إطلاق النار، وتحاول قوات النظام مدعومة بمليشيات أجنبية التقدم إلى مجموعة بلدات تحت غطاء ناري كثيف، وقد استعاد مقاتلو المعارضة نقاط عدة بمحيط بلدة الميدعاني شرقي كتيبة حزرما، وذلك بعد عمل عسكري مشترك بين “جيش الإسلام” و”حركة أحرار الشام” و”فيلق الرحمن”، حيث خلفت المعارك نحو 13 قتيلاً في صفوف قوات النظام وميليشيات إيران، إضافة إلى تدمير أكثر من 6 دبابات.
وكانت قوات النظام استطاعت خلال الأسابيع القليلة الماضية التقدم في بلدات “القاسمية والبحارية والميدعاني” بالغوطة الشرقية، وذلك بهدف الوصول إلى معاقل الثوار في دوما، وذلك رغم دخول اتفاق وقف إطلاق النار في سوريا حيز التنفيذ أواخر كانون الأول الماضي.
وقد أكد المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا ستيفان دي ميستورا أن الوضع القائم في الغوطة الشرقية بريف دمشق يهدد المفاوضات السورية المقررة في جنيف.
وأضاف دي ميستورا أنه تحدث كثيراً مع الروس والأتراك، وطلب مساعدتهم في السيطرة على الوضع هناك، لأنه قد يؤدي إلى انهيار المفاوضات والهدنة.
وفي مدينة درعا جنوبي البلاد أطلقت فصائل الجيش السوري الحر الأحد الماضي معركة جديدة باسم “الموت ولا المذلة” بهدف ضرب معاقل النظام في حي المنشية بدرعا.
وردت قوات النظام من جانبها بإعلان معركة مضادة أطلقت عليها اسم “ستذلون وتقتلون” وذلك بهدف السيطرة على كامل حي المنشية بدرعا البلد.
وكانت معركة فصائل المعارضة بدأت بتفجير 3 سيارات مفخخة أسفرت عن مقتل وجرح العشرات من قوات النظام والميليشيات الموالية لها، كما تمكن مقاتلو المعارضة المسلحة من تدمير دبابة وقتل ضابط برتبة عميد وأسر ضابط برتبة عقيد ركن وعدة عناصر عقب السيطرة على عدد من النقاط والمواقع في حي المنشية.