انقسم المثقفون العرب حولالثورة السورية خصوصا، والثورات العربية عموما، وهذا أمر طبيعي، إذ لا يمكن التعاطي مع المثقفين باعتبارهم طبقة خاصة متمحورة حول ذاتها، أو كأنهم يشكلون حزبا يسير على نهج بعينه.
المعنى أن الصورة السائدة أو المتخيلة عن المثقفين، التي تنظر إليهم ككتلة واحدة ومتجانسة غير صحيحة إطلاقا، لا عندنا ولا عند غيرنا. والقصد أن المثقفين جزء من مجتمعاتهم، وبالتالي فهم يعكسون الانقسامات أو التباينات الثقافية والسياسية، على الرؤى والمصالح، وبخصوص التعاطي مع السلطة وعلاقات القوة في الدولة والمجتمع.
هكذا، ثمة مثقفون يقفون مع السلطات في كل زمان ومكان، ومثقفون يأخذون جانب السلطات القائمة مع انتقاد بعض مواقفها وممارساتها، كما ثمة مثقفون يقفون في المعارضة، وآخرون يأخذون مواقف وسطا بين الطرفين. إضافة إلى ذلك فإن المثقفين ينقسمون من الناحية الأخلاقية، إذ ثمة مثقف نزيه ومبدئي وجدي، ومنسجم مع ذاته، ومع قيم العدالة والحرية والحقيقة، وبالمقابل ثمة مثقف غير مبال أو متقلب أو تنم مواقفه عن تناقضات أو التباسات.
المعنى أن الصورة السائدة أو المتخيلة عن المثقفين، التي تنظر إليهم ككتلة واحدة ومتجانسة غير صحيحة إطلاقا، لا عندنا ولا عند غيرنا. والقصد أن المثقفين جزء من مجتمعاتهم، وبالتالي فهم يعكسون الانقسامات أو التباينات الثقافية والسياسية، على الرؤى والمصالح، وبخصوص التعاطي مع السلطة وعلاقات القوة في الدولة والمجتمع.
هكذا، ثمة مثقفون يقفون مع السلطات في كل زمان ومكان، ومثقفون يأخذون جانب السلطات القائمة مع انتقاد بعض مواقفها وممارساتها، كما ثمة مثقفون يقفون في المعارضة، وآخرون يأخذون مواقف وسطا بين الطرفين. إضافة إلى ذلك فإن المثقفين ينقسمون من الناحية الأخلاقية، إذ ثمة مثقف نزيه ومبدئي وجدي، ومنسجم مع ذاته، ومع قيم العدالة والحرية والحقيقة، وبالمقابل ثمة مثقف غير مبال أو متقلب أو تنم مواقفه عن تناقضات أو التباسات.
طبعا المثقف بالتعريف هو الذي يشتغل بالثقافة، أو بإنتاجها، مستثمرا معارفه أو تخصصاته المتميزة، لكن ما يهمنا هنا ليس تعريف المثقف وإنما عرض مواقف المثقفين، لاسيما الذين اعترضوا على الثورة السورية من البداية، ومازالوا على موقفهم المساند للنظام السوري، من الذين كان يفترض بهم، بالقياس لإنتاجهم ومواقفهم السابقة، دعم التغيير السياسي في سوريا، وفي عموم العالم العربي، ومن الذين طالما تحدثوا عن ضرورة التغيير والديمقراطية وإشاعة الحريات والدفاع عن قيم الحداثة في المجتمعات العربية.
الادعاء بالمؤامرة
منذ البداية أثار اعتراض قطاع من المثقفين (السوريين والعرب) على الثورة السورية، كثيرا من التساؤل، ومن مشاعر الاستهجان، خاصة أن قسما من هؤلاء كان طوال مسيرته الثقافية يدعو إلى الحرية والحداثة، مع إلقاء اللائمة على الناس العاديين الذين لا يثورون على واقعهم البائس، والذين يستمرئون العيش في ظل الواقع الظالم الذي يعيشون فيه.
ومعلوم أن هؤلاء المثقفين كانوا قد تحمسوا للثورتين المصرية والتونسية، ولكن عندما وصل الأمر إلى سوريا اختلف الأمر عندهم، إذ غدوا محافظين، وباتوا يتحدثون عن مؤامرة أميركية وإسرائيلية، وقطرية وسعودية، تستهدف الإطاحة بنظام الأسد، باعتباره الخندق الأخير للمقاومة والممانعة!
وللتذكير فإن هذا الادعاء كان قبل صعود الجماعات الإسلامية المسلحة، وقبل ظهور جبهة النصرة وداعش (تنظيم الدولة الإسلامية)، وفي الأشهر السلمية للثورة، والتي تميزت بالحراكات الشعبية في مدن وقرى سوريا. وهؤلاء في حينها، أيضا، تنكروا لمعاناة السوريين وتضحياتهم في سبيل نيل حقوقهم وحريتهم، ولم يعترفوا بجرائم النظام السوري التي قامت بها أجهزته الأمنية وشبيحته، وضمنها فك اعتصامي النواعير في حماه والساعة في حمص، وقبلها التنكيل بأطفال درعا وإهانة أهاليهم.
لم يكن هذا الموقف مشينا على الصعيد الأخلاقي فحسب، بل ينم عن انعدام بصيرة سياسية أيضا، فعند هؤلاء فإن سوريا هي مجرد ساحة صراع مع القوى الإمبريالية والصهيونية، أو كموقع جغرافي إستراتيجي، أي “جيوبولوتيك” فقط، فهم لا يرون أن فيها شعبا، وأن هذا الشعب له حقوق، وأن أية مقاومة حقيقية لا تكون والشعب مهمش ومستبعد.
فوق ذلك فإن هؤلاء في موقفهم تناسوا أن جبهة الجولان السورية كانت أهدأ حدود لإسرائيل، إذ أن نظامها حرص على ألا تطلق رصاصة واحدة منها على إسرائيل منذ أربعة عقود، فضلا عن استخدامه قضية فلسطين والمقاومة، مجرد ورقة، لابتزاز الأنظمة العربية أولا. وللمساومة -ثانيا- في تعزيز مكانته الإقليمية والدولية. وثالثا، لتعزيز شرعيته الداخلية. ورابعا، لتغطية تغول أجهزته الأمنية، ومصادرته حقوق وحريات مواطنيه؛ وهذا هو الأهم طبعا. هكذا فجأة تناسى هؤلاء، وبخاصة بعض المثقفين الفلسطينيين، تاريخ هذا النظام في التلاعب بقضيتهم، وتقييد حركتهم الوطنية، والتدخل في شؤونها، وتشجيعه الانشقاقات فيها، ومحاولته السيطرة عليها، أو إخضاعها لسياساته.
التورية بالعلمانية
الفكرة الثانية التي تغطى بها بعض المثقفين المعترضين على الثورة السورية تتعلق بالتخوف من صعود التيارات الإسلامية، والدفاع عن علمانية النظام السوري، بعد أن بات الحديث يدور عن ربيع “إسلامي”، وليس عن ربيع “عربي”. وفي الواقع فإن هذا التخوف هو للتورية والتبرير، لأن ظهور التيار الإسلامي حصل بعد أكثر من ستة أشهر من اندلاع الثورة السورية، بينما صعودها حصل بعد 15 شهرا.
أما بالنسبة لجبهة النصرة المحسوبة على القاعدة، وداعش -وهما غير محسوبتين على الثورة السورية، ولا ينضويان في أطرها العسكرية أو السياسية- فقد ظهرتا في فترة متأخرة في منتصف العام 2013 بالنسبة للأولى، وفي مطلع العام 2014 بالنسبة للثانية. وهذا كله يفيد بأن الموقف الاعتراضي من قبل هؤلاء المثقفين على الثورة السورية ليس له صلة بصعود التيارات الإسلامية، إذ أن موقفهم تأسس قبل ذلك بكثير.
الادعاء بالمؤامرة
منذ البداية أثار اعتراض قطاع من المثقفين (السوريين والعرب) على الثورة السورية، كثيرا من التساؤل، ومن مشاعر الاستهجان، خاصة أن قسما من هؤلاء كان طوال مسيرته الثقافية يدعو إلى الحرية والحداثة، مع إلقاء اللائمة على الناس العاديين الذين لا يثورون على واقعهم البائس، والذين يستمرئون العيش في ظل الواقع الظالم الذي يعيشون فيه.
ومعلوم أن هؤلاء المثقفين كانوا قد تحمسوا للثورتين المصرية والتونسية، ولكن عندما وصل الأمر إلى سوريا اختلف الأمر عندهم، إذ غدوا محافظين، وباتوا يتحدثون عن مؤامرة أميركية وإسرائيلية، وقطرية وسعودية، تستهدف الإطاحة بنظام الأسد، باعتباره الخندق الأخير للمقاومة والممانعة!
وللتذكير فإن هذا الادعاء كان قبل صعود الجماعات الإسلامية المسلحة، وقبل ظهور جبهة النصرة وداعش (تنظيم الدولة الإسلامية)، وفي الأشهر السلمية للثورة، والتي تميزت بالحراكات الشعبية في مدن وقرى سوريا. وهؤلاء في حينها، أيضا، تنكروا لمعاناة السوريين وتضحياتهم في سبيل نيل حقوقهم وحريتهم، ولم يعترفوا بجرائم النظام السوري التي قامت بها أجهزته الأمنية وشبيحته، وضمنها فك اعتصامي النواعير في حماه والساعة في حمص، وقبلها التنكيل بأطفال درعا وإهانة أهاليهم.
لم يكن هذا الموقف مشينا على الصعيد الأخلاقي فحسب، بل ينم عن انعدام بصيرة سياسية أيضا، فعند هؤلاء فإن سوريا هي مجرد ساحة صراع مع القوى الإمبريالية والصهيونية، أو كموقع جغرافي إستراتيجي، أي “جيوبولوتيك” فقط، فهم لا يرون أن فيها شعبا، وأن هذا الشعب له حقوق، وأن أية مقاومة حقيقية لا تكون والشعب مهمش ومستبعد.
فوق ذلك فإن هؤلاء في موقفهم تناسوا أن جبهة الجولان السورية كانت أهدأ حدود لإسرائيل، إذ أن نظامها حرص على ألا تطلق رصاصة واحدة منها على إسرائيل منذ أربعة عقود، فضلا عن استخدامه قضية فلسطين والمقاومة، مجرد ورقة، لابتزاز الأنظمة العربية أولا. وللمساومة -ثانيا- في تعزيز مكانته الإقليمية والدولية. وثالثا، لتعزيز شرعيته الداخلية. ورابعا، لتغطية تغول أجهزته الأمنية، ومصادرته حقوق وحريات مواطنيه؛ وهذا هو الأهم طبعا. هكذا فجأة تناسى هؤلاء، وبخاصة بعض المثقفين الفلسطينيين، تاريخ هذا النظام في التلاعب بقضيتهم، وتقييد حركتهم الوطنية، والتدخل في شؤونها، وتشجيعه الانشقاقات فيها، ومحاولته السيطرة عليها، أو إخضاعها لسياساته.
التورية بالعلمانية
الفكرة الثانية التي تغطى بها بعض المثقفين المعترضين على الثورة السورية تتعلق بالتخوف من صعود التيارات الإسلامية، والدفاع عن علمانية النظام السوري، بعد أن بات الحديث يدور عن ربيع “إسلامي”، وليس عن ربيع “عربي”. وفي الواقع فإن هذا التخوف هو للتورية والتبرير، لأن ظهور التيار الإسلامي حصل بعد أكثر من ستة أشهر من اندلاع الثورة السورية، بينما صعودها حصل بعد 15 شهرا.
أما بالنسبة لجبهة النصرة المحسوبة على القاعدة، وداعش -وهما غير محسوبتين على الثورة السورية، ولا ينضويان في أطرها العسكرية أو السياسية- فقد ظهرتا في فترة متأخرة في منتصف العام 2013 بالنسبة للأولى، وفي مطلع العام 2014 بالنسبة للثانية. وهذا كله يفيد بأن الموقف الاعتراضي من قبل هؤلاء المثقفين على الثورة السورية ليس له صلة بصعود التيارات الإسلامية، إذ أن موقفهم تأسس قبل ذلك بكثير.
الأهم من ذلك أن هؤلاء لم يلاحظوا أن النظام السوري أكثر نظام حاول اللعب على وتر التيارات الإسلامية، وتشجيع قيام جماعات إسلامية حركية أو دعوية تتحرك في فلكه، كما حاول التلاعب بقضية الدين والعلمانية، ووضع الاتجاهين في المجتمع السوري، في إطار من التصارع، التي يبدو خلالها بمثابة حكم وضابط، مستعيرا في ذلك، مبدأ: “فرق تسد”.
وفي الواقع فإن النظام السوري لا يمكن وصفه بالعلماني، بالقدر ذاته الذي لا يمكن وصفه فيه لا بالإسلامي ولا باليساري ولا بالقومي ولا بالمقاوم..الخ. والمعنى أننا إزاء نظام برغماتي وديماغوجي بكل معنى الكلمة، مستعد للتلاعب بكل المبادئ والقيم للحفاظ على سلطته، والتلاعب بمجتمعه، مسخرا في كل ذلك هيمنته على البلاد والعباد، وعلى الموارد والمدارس والجامعات ووسائل الإعلام والمنظمات الشعبية والأحزاب الموالية ومؤسسات الدولة، والجيش وأجهزة الأمن.
فضلا عن كل ذلك فإن هذا النظام، الذي حرم الحياة السياسية والتعددية الحزبية، لم يترك الجمهور المتدين للفراغ أو للمعارضة، إذ اشتغل على تخليق جماعات إسلامية، حركية ودعوية وصوفية، تدور في فلكه، ومنحها الامتيازات والتسهيلات، التي لا تمنح حتى لأحزاب أخرى موالية.
ومع تأكيدنا أن فكرة العلمانية لا تعني الإلحاد ولا نفي التدين، وأنها تأسست على التمييز بين الديني والدنيوي، ورفض استغلال الدين من قبل السلطات، وتحييد الدين عن الصراعات السياسية، فإن هذا التوصيف لا ينطبق على النظام السوري الذي أسهم بتخليق جماعات مثل “غرباء الشام” للداعية أبو القعقاع (محمود قول أغاشي في حلب)، وجماعة “فتح الإسلام” في نهر البارد (زعيمها شاكر العبسي)، وغير ذلك من الجماعات المتطرفة، لأغراض الابتزاز الداخلي والخارجي، وللظهور بمظهر المحارب ضد الإرهاب، وبالتالي بمظهر النظام العلماني والحداثي في الداخل وأمام الغرب.
فضلا عن كل ذلك فإن العلمانية والحداثة لا تعني مصادرة حقوق وحريات المواطنين، مهما كانت ميولهم وعقائدهم، إذ الحرية لا تتجزأ، والحداثة والعلمانية تأسستا على الحق في الاختلاف والتعددية، واستقلالية المجتمع المدني عن الدولة، أما عكس ذلك فيضفي مشروعية على ادعاءات النظم الاستعمارية التي فرضت هيمنتها على شعوب آسيا وأفريقيا، وأمعنت في نهب ثرواتها، بدعوى تحديث الشعوب المتخلفة.
الثورة الجاهزة أو المتخيلة
ضمن الادعاءات التي سعى بعض المثقفين المعترضين التغطي بها؛ التعثر الحاصل في الثورة السورية، والسلبيات التي اكتنفت خطاباتها ومساراتها، وفي الواقع فقد كان كل ذلك نتاجا طبيعيا لسياسات النظام التي صادرت الحريات، وقيدت العمل الحزبي، وحدت من إمكانية نهوض المجتمع المدني، وهيمنت على وسائل الاعلام والصحافة، وحكمت بواسطة أجهزة المخابرات.
المعنى من ذلك أن هؤلاء المثقفين بدلا من أن يحملوا النظام المسؤولية عن الاستبداد، ومصادرة الحريات، وضمن ذلك مسؤوليته عن سد الأفق أمام التغييرات السياسية بالطرق السلمية والتدريجية والسلمية، قاموا بإلقاء المسؤولية على الضحايا، أي على الشعب، كأنهم يطالبون الناس بالخضوع طواعية للظلم، والرضى بالواقع القائم.
إضافة إلى ذلك فإن هؤلاء المثقفين -المعترضين على الثورات وليس على الاستبداد- في انفصامهم عن الواقع، يتعاملون مع النظريات باعتبارها بمثابة أديان أخرى، فالنظرية عندهم تأتي من أن الثورات تنشأ من وجود أحزاب ثورية، ونظريات ثورية، بحسب المقولة اللينينية: “لا حركة ثورية بدون نظرية ثورية، وبدون تنظيم ثوري”، وهكذا.
وفي الحقيقة فإن هذه حجة أخرى يسعى من خلالها هؤلاء لإرضاء ذواتهم، وتزيين مواقفهم، إذ أن التنظير للثورات جاء بعد الثورات، وكاستنباط لتجارب ثورية معينة، وليس قبلها، إذ الثورات، تأتي عفوية، ومفاجئة، وخارج التوقعات، مثل البراكين والانفجارات، التي لا يمكن تنظيمها أو هندستها أو التحكم بتداعياتها.
وفي الواقع فإن النظام السوري لا يمكن وصفه بالعلماني، بالقدر ذاته الذي لا يمكن وصفه فيه لا بالإسلامي ولا باليساري ولا بالقومي ولا بالمقاوم..الخ. والمعنى أننا إزاء نظام برغماتي وديماغوجي بكل معنى الكلمة، مستعد للتلاعب بكل المبادئ والقيم للحفاظ على سلطته، والتلاعب بمجتمعه، مسخرا في كل ذلك هيمنته على البلاد والعباد، وعلى الموارد والمدارس والجامعات ووسائل الإعلام والمنظمات الشعبية والأحزاب الموالية ومؤسسات الدولة، والجيش وأجهزة الأمن.
فضلا عن كل ذلك فإن هذا النظام، الذي حرم الحياة السياسية والتعددية الحزبية، لم يترك الجمهور المتدين للفراغ أو للمعارضة، إذ اشتغل على تخليق جماعات إسلامية، حركية ودعوية وصوفية، تدور في فلكه، ومنحها الامتيازات والتسهيلات، التي لا تمنح حتى لأحزاب أخرى موالية.
ومع تأكيدنا أن فكرة العلمانية لا تعني الإلحاد ولا نفي التدين، وأنها تأسست على التمييز بين الديني والدنيوي، ورفض استغلال الدين من قبل السلطات، وتحييد الدين عن الصراعات السياسية، فإن هذا التوصيف لا ينطبق على النظام السوري الذي أسهم بتخليق جماعات مثل “غرباء الشام” للداعية أبو القعقاع (محمود قول أغاشي في حلب)، وجماعة “فتح الإسلام” في نهر البارد (زعيمها شاكر العبسي)، وغير ذلك من الجماعات المتطرفة، لأغراض الابتزاز الداخلي والخارجي، وللظهور بمظهر المحارب ضد الإرهاب، وبالتالي بمظهر النظام العلماني والحداثي في الداخل وأمام الغرب.
فضلا عن كل ذلك فإن العلمانية والحداثة لا تعني مصادرة حقوق وحريات المواطنين، مهما كانت ميولهم وعقائدهم، إذ الحرية لا تتجزأ، والحداثة والعلمانية تأسستا على الحق في الاختلاف والتعددية، واستقلالية المجتمع المدني عن الدولة، أما عكس ذلك فيضفي مشروعية على ادعاءات النظم الاستعمارية التي فرضت هيمنتها على شعوب آسيا وأفريقيا، وأمعنت في نهب ثرواتها، بدعوى تحديث الشعوب المتخلفة.
الثورة الجاهزة أو المتخيلة
ضمن الادعاءات التي سعى بعض المثقفين المعترضين التغطي بها؛ التعثر الحاصل في الثورة السورية، والسلبيات التي اكتنفت خطاباتها ومساراتها، وفي الواقع فقد كان كل ذلك نتاجا طبيعيا لسياسات النظام التي صادرت الحريات، وقيدت العمل الحزبي، وحدت من إمكانية نهوض المجتمع المدني، وهيمنت على وسائل الاعلام والصحافة، وحكمت بواسطة أجهزة المخابرات.
المعنى من ذلك أن هؤلاء المثقفين بدلا من أن يحملوا النظام المسؤولية عن الاستبداد، ومصادرة الحريات، وضمن ذلك مسؤوليته عن سد الأفق أمام التغييرات السياسية بالطرق السلمية والتدريجية والسلمية، قاموا بإلقاء المسؤولية على الضحايا، أي على الشعب، كأنهم يطالبون الناس بالخضوع طواعية للظلم، والرضى بالواقع القائم.
إضافة إلى ذلك فإن هؤلاء المثقفين -المعترضين على الثورات وليس على الاستبداد- في انفصامهم عن الواقع، يتعاملون مع النظريات باعتبارها بمثابة أديان أخرى، فالنظرية عندهم تأتي من أن الثورات تنشأ من وجود أحزاب ثورية، ونظريات ثورية، بحسب المقولة اللينينية: “لا حركة ثورية بدون نظرية ثورية، وبدون تنظيم ثوري”، وهكذا.
وفي الحقيقة فإن هذه حجة أخرى يسعى من خلالها هؤلاء لإرضاء ذواتهم، وتزيين مواقفهم، إذ أن التنظير للثورات جاء بعد الثورات، وكاستنباط لتجارب ثورية معينة، وليس قبلها، إذ الثورات، تأتي عفوية، ومفاجئة، وخارج التوقعات، مثل البراكين والانفجارات، التي لا يمكن تنظيمها أو هندستها أو التحكم بتداعياتها.
الأهم أن من كان ينتظر ثورة جاهزة، أو على المقاس، في ظروف سوريا الخاصة، لن يجدها إطلاقا، فالثورات لا تأتي وفق “تنميطات” وتنظيرات ورغبات معينة، وإنما تأتي بالشكل الذي تأتي به ووفقا لمستوى التطور السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي لشعب معين، وقد تنجح وقد تفشل، وقد تنجح جزئيا، لكنها تشكل جزءا من عملية تاريخية تسعى للتغيير والتطوير.
مخاتلة التحرير والحرية
لا يقتصر موقف هذا القطاع من المثقفين العرب في دفاعه عن نظام الأسد الاستبدادي الذي حول سوريا إلى “جملكية” (جمهورية وراثية، وملكية عائلية خاصة) على التغطي بالمقاومة والصراع ضد الإمبريالية، إذ أن العور الأساس في تفكير هؤلاء يتضمن الفصل بين مفهومي التحرير والحرية، الذي يختصر الحرية بالأرض وسيادة الدولة، بدون البشر، وبدون المواطنين الذين هم عندهم مجرد سكان أو مقيمين، وفقط.
وفي الواقع فإن هذا العور المفاهيمي، أو هذا الخلل في الإدراكات السياسية والثقافية، عند هذا القطاع من المثقفين، له امتداداته لدى التيارات السياسية العربية، بخاصة القومية واليسارية والعلمانية، إذ أن هذه التيارات المحسوبة على الحداثة، لم تهضم فكرة الحرية أو الليبرالية بمعناها السياسي والحقوقي الذي يتعلق بمكانة المواطن الفرد الحر والمستقل، وهذا هو مصدر النقص في الوعي السياسي السائد لدى حركاتنا السياسية ولدى فصائل المقاومة الفلسطينية.
هكذا فعند معظم التيارات السياسية السائدة في بلداننا لا شيء اسمه إنسان أو مواطن فرد، فنحن عبارة عن جماعات قومية أو دينية أو عشائرية أو مناطقية، أو مصلحية، وهذا ما يفسر العصبية، والصراعات الهوياتية، وسيادة نظم الاستبداد التي تعيش على هذه الصراعات وتتلاعب بها لمصلحتها، بوضع كل جماعة في مواجهة الأخرى، وهو ما يفسر أيضا حيلولة هذه الأنظمة التسلطية دون قيام دولة المؤسسات والقانون، حتى لا تتحول الدولة إلى دولة حقا.
إن التماهي مع الاستبداد لا يغطيه ولا يبرره وجود معارضة فاشلة أو قاصرة، ولا تصدر بعض الجماعات الإرهابية، لأن الأساس هنا هو مساندة حق الشعب السوري بالخلاص من الاستبداد وأخذ حقوقه ونيل حريته.
أما بالنسبة لبعض القياديين، أو المثقفين الفلسطينيين الذين يزورون دمشق، وباتوا يجملون نظام الأسد، رغم ما فعله بالحركة الوطنية الفلسطينية -واللبنانية- فيمكن القول إن التذرع بفلسطين لا يبرر قتل الشعب السوري، وإن أنظمة الاستبداد هي التي مكنت إسرائيل، وأمنت استقرارها، وأن قضية الحرية لا تتجزأ، فالضحايا يتعاطفون مع الضحايا، وفلسطين ليست مجرد قطعة أرض فهي -أيضا- معنى للحرية والعدالة.
مخاتلة التحرير والحرية
لا يقتصر موقف هذا القطاع من المثقفين العرب في دفاعه عن نظام الأسد الاستبدادي الذي حول سوريا إلى “جملكية” (جمهورية وراثية، وملكية عائلية خاصة) على التغطي بالمقاومة والصراع ضد الإمبريالية، إذ أن العور الأساس في تفكير هؤلاء يتضمن الفصل بين مفهومي التحرير والحرية، الذي يختصر الحرية بالأرض وسيادة الدولة، بدون البشر، وبدون المواطنين الذين هم عندهم مجرد سكان أو مقيمين، وفقط.
وفي الواقع فإن هذا العور المفاهيمي، أو هذا الخلل في الإدراكات السياسية والثقافية، عند هذا القطاع من المثقفين، له امتداداته لدى التيارات السياسية العربية، بخاصة القومية واليسارية والعلمانية، إذ أن هذه التيارات المحسوبة على الحداثة، لم تهضم فكرة الحرية أو الليبرالية بمعناها السياسي والحقوقي الذي يتعلق بمكانة المواطن الفرد الحر والمستقل، وهذا هو مصدر النقص في الوعي السياسي السائد لدى حركاتنا السياسية ولدى فصائل المقاومة الفلسطينية.
هكذا فعند معظم التيارات السياسية السائدة في بلداننا لا شيء اسمه إنسان أو مواطن فرد، فنحن عبارة عن جماعات قومية أو دينية أو عشائرية أو مناطقية، أو مصلحية، وهذا ما يفسر العصبية، والصراعات الهوياتية، وسيادة نظم الاستبداد التي تعيش على هذه الصراعات وتتلاعب بها لمصلحتها، بوضع كل جماعة في مواجهة الأخرى، وهو ما يفسر أيضا حيلولة هذه الأنظمة التسلطية دون قيام دولة المؤسسات والقانون، حتى لا تتحول الدولة إلى دولة حقا.
إن التماهي مع الاستبداد لا يغطيه ولا يبرره وجود معارضة فاشلة أو قاصرة، ولا تصدر بعض الجماعات الإرهابية، لأن الأساس هنا هو مساندة حق الشعب السوري بالخلاص من الاستبداد وأخذ حقوقه ونيل حريته.
أما بالنسبة لبعض القياديين، أو المثقفين الفلسطينيين الذين يزورون دمشق، وباتوا يجملون نظام الأسد، رغم ما فعله بالحركة الوطنية الفلسطينية -واللبنانية- فيمكن القول إن التذرع بفلسطين لا يبرر قتل الشعب السوري، وإن أنظمة الاستبداد هي التي مكنت إسرائيل، وأمنت استقرارها، وأن قضية الحرية لا تتجزأ، فالضحايا يتعاطفون مع الضحايا، وفلسطين ليست مجرد قطعة أرض فهي -أيضا- معنى للحرية والعدالة.