في معتقل بالحسكة حيث يحتجز الأكراد أكثر من ألفي إمرأة من أصول أجنبية تتساءل النساء عن مصيرهن ومن المسؤول عنهن. والمشكلة كما يقول بن هبارد إن هذه النساء لسن كغيرهن فهن زوجات مقاتلي تنظيم «الدولة» الذين جاءوا للقتال إلى جانب الجماعة الجهادية، ولم يكن أمام الكثيرات منهن إلا المشي وراءهم وعندما اختفوا في غبار المعارك ظنن أنهم ماتوا فهربن مع الأولاد واعتقلن في معسكر صحراوي في محافظة الحسكة، شمال شرقي سوريا.
يقول بن هبارد في تقريره في صحيفة «نيويورك تايمز» إن مشكلة النساء والأطفال نابعة من رفض الدول التي جاءت منها العائلات خشية نشر الأفكار المتطرفة التي لقنت للأطفال في مدارس «الخلافة» ولا يريد الأكراد حماية هذه العائلات. ولهذا تقول سارة إبراهيم التي تبعت زوجها من المغرب «طلبت منا ترك داعش وتركناه ولكننا لا نزال نعتبر من داعش»، «فمن هو المسؤول عنا ومن سيقرر مصيرنا؟»، وقصة سارة هي واحدة من الآلاف الذين جاءوا من أنحاء العالم للعيش في ظل «الخلافة» التي سيطرت يوماً على مساحات واسعة من العراق وسوريا. وقد جاءت النساء مع أزواجهن أو آبائهن وهناك من جئن بأنفسهن وتزوجن من مقاتلي التنظيم بعد وصولهن. وعندما انهارت الخلافة تحت وقع الغارات الأمريكية والمقاتلين الأكراد الذين دعمتهم وقتل الرجال أو اعتقلوا انتهت النساء والأطفال في معسكرات صحراوية لا أحد يريدهم.
التهرب من المسؤولية
يقول عبد الكريم عمر، المسؤول في الإدارة المحلية التي تحاول إقناع الحكومات الأجنبية بأخذ مواطنيهم: «نعمل بطريقة مسؤولة ولكن المجتمع الدولي يحاول التهرب من المسؤولية» مثل «كرة النار التي يحاول كل طرف الهروب منها أو رميها علينا». ويعلق بن هبارد بأن غياب الخطة للتعامل مع عائلات مقاتلي التنظيم هي جزء من الفوضى في الأراضي التي تم تحريرها من الجهاديين. ففي العراق تواجه الكثير من النساء محاكمات سريعة وإعداماً بناء على اتهامات دعم تنظيم «الدولة». وأصبحن في سوريا سجينات في معسكرات بائسة في منطقة تقع تحت سيطرة مجموعة لا يعترف بها أحداً ولا تستطيع والحالة الضغط على الدول التي جاءت منها هذه العائلات لأخذها.
وفي زيارة نادرة للمعسكر المعروف باسم «روج» وهو اكبر هذه المعسكرات حيث سمح له بمقابلة النساء العربيات ومنع من مقابلة أو تصوير بزعم أن هذا سيعقد المفاوضات مع الحكومات وعودتهن بالتالي إلى بلادهن. إلا ان الكاتب تحدث بشكل غير رسمي مع نساء من فرنسا وألمانيا وهولندا والدنمارك وعدد من الدول العربية. ولم يسمح الأكراد لهم بسؤال النساء الأجنبيات عن أسمائهن إلا أن البعض منهن تحدثن عن إجبارهن على مرافقة أزواجهن إلى سوريا فيما اعترفت أخريات بالخطأ الذي ارتكبنه وأن الأولاد يدفعون الثمن. وقرب حمام قالت إمرأتان فرنسيتان وألمانية كن يدفعن أطفالهن في صناديق بلاستيكية أو على عربات «طبعاً ارتكبنا خطأ ولكن أي شخص يمكن أن يرتكب الخطأ» حسب الألمانية. وكان عمرها 24 عاماً عندما جاءت مع زوجها الألماني ومعهما أولادهما الثلاثة. واعترفت بأنها جاءت برغبة منها ولكنها اعترفت أن الحياة في ظل تنظيم الدولة كانت أسوأ مما توقعت ولم تكن قادرة على الهروب منها. و»هناك لم يكن أي مكان للفرار إليه فإما السجن أو القتل». واعترفت واحدة من الفرنسيتين وعمرها 28 عاماً وأم لثلاثة أن مغامرتها السورية كانت خطأً فادحاً. وتساءلت: «ألا نستحق ما يطلق عليه الخلاص». وتقدم الحكومات الأجنبية بما فيها الولايات المتحدة بعض الدعم للسلطات المحلية لكنه دعم بائس مقارنة مع ما أنفقته هذه الدول على الحملة العسكرية. وهنا فالموضوع كما يقول حساس وشائك في ضوء المخاطر الأمنية للسماح للجهاديين وزوجاتهم وأبنائهم الذين عاشوا معهم في محاور الحرب.
وهم الجنة
ويعتقل الأكراد 400 من المقاتلين الأجانب حيث تساعد الولايات المتحدة في اعتقالهم لمنعهم من الهروب. لكن الإدارة المحلية لم تحصل على أي دعم في المعسكرات الثلاثة التي تحتجز فيها عائلات الجهاديين. وأنشأت هذه الإدارة محاكم لمحاكمة السوريين لارتكابهم جرائم في ظل تنظيم الدولة، لكنها لا تحاكم الأجانب كما لم توجه أي تهم للنساء والأطفال في المعسكرات.
وقال رشيد عمر مسؤول معسكر روج إن هناك 1400 من الأجانب ينتمون إلى 40 جنسية تركية وتونسية وروسية وأمريكية. وإنه لا يمكن تحديد الدور الذي لعبنه أثناء وجودهن بمناطق التنظيم وإن كن ملتزمات بآيديولوجيته. وقال إن بعضهن ملتزمات والآخريات جئن بوهم الوصول إلى الجنة فوجدن الجحيم. وقالت سارة إبراهيم إنها شعرت بالرعب من الإعدامات العامة وفرض الزي المقيد على المرأة ومنع الإستماع للموسيقى. والمشكلة الكبرى هي الأطفال الذين ولدوا في ظل الخلافة ولم يختاروا الإنضمام للجهاديين.
وهناك 900 طفل في معسكر روج معظهم يعاني من مشاكل صحية ولم يذهبوا للمدارس وبدون جنسية. وتتوقع الاجنبيات مواجهة المحاكمة حالة عدن إلى بلادهن أما العربيات فيخفن من التعذيب أو الإعدام. ويقول نديم خوري مدير برنامج الإرهاب ومكافحة الإرهاب في منظمة «هيومان رايتس ووتش»إن النساء والأطفال يعيشون في فراغ قانوني. ورفض مبررات الحكومات لعدم مساعدة هذه العائلات على العودة بسبب عدم توفر القدرات لدى القنصليات والمخاوف الأمنية مشيراً إلى أن غياب الإرادة السياسية هو المسؤول عن كل هذا، مشيراً إلى أن النساء اللاتي ارتكبن جرائم سيحاكمن أو يسجن «بعضهن ارتكبن جرائم لكن الغالبية منهن كن ربات بيوت ولهذا لا يمكن جمعهن في سلة واحدة مع اللاتي قطعن رؤوساً». وكانت روسيا قد أعادت 35 إمرأة وطفلاً واستعادت إندونيسيا 15 شخصاً.
وقال عمر إنه تحدث مع سلطات في كندا والدنمارك بشأن المواطنين الذين جاؤوا من هناك لكنه لم يتلق أجوبة. وقالت دعاء محمد، 44 عاماً إنها جاءت مع زوجها الذي انجذب لفكرة الدولة الإسلامية «ولكن ما رأيناه لم يكن ما توقعناه» و»ما عشناه هناك لم يكن ما جئنا له». وفي العام الماضي هربت العائلة ولكن قوات سوريا الديمقراطية ألقت القبض عليهم ولم تسمع من زوجها أما هي فانتهت مع أولادها الأربعة (6- 15 عاماً) في المعسكر. واعترفت بالخطأ وتساءلت «إلى متى سندفع ثمن الخطأ، هل طوال حياتنا؟».
«فورين بوليسي»: اليمن يقف على حافة الكارثة
حذر تقرير في مجلة «فورين بوليسي» من الكارثة المقبلة في اليمن حيث قال مراسل المجلة للدبلوماسية روبي غريمر ومراسلة المجلة في البنتاغون لارا سليجمان إن دعم الولايات المتحدة للسعودية والإمارات قد يساعد على الكارثة. وقالا إن كبير دبلوماسيي الأمم المتحدة يحاول التوصل إلى هدنة بين الجماعات المتناحرة في وقت يحذر فيه الخبراء من الكارثة الإنسانية التي تتخمر.
وقالا إن المبعوث الدولي لليمن مارتن غريفيثس يحاول التوسط بين قوات الحكومة والمتمردين الحوثيين في الحرب التي يراها الكثيرون حرباً بالوكالة بين التحالف الذي تدعمه الولايات المتحدة وذلك الذي تقف وراءه إيران. وتدعم الإمارات العربية المتحدة والسعودية القوات الحكومية وأرسلت قوات نحو ميناء الحديدة الذي تصل إليه نسبة 70% من المساعدات الإنسانية والبضائع التجارية.
وتخشى المنظمات الإنسانية من تدمير الحرب لمنشآت الميناء بشكل يجعل منشآته غير متاحة وحرمان 8.4 مليون نسمة ممن هم على حافة المجاعة وملايين آخرين بحاجة للمساعدة الإنسانية. وحسب السفير الأمريكي السابق في قضايا جرائم الحرب ستيفن راب «نواجه في هذه المرحلة من النزاع وهذا مقلق تهديد الكارثة الإنسانية». وكان راب يتحدث في مؤتمر نظمه مركز ستيمسون بواشنطن: «نحن في نقطة تحول في حالة مضت الحملة فإنه سيصبح أكثر سوءاً». وقابل غريفيثس الذي توسط في عدد من النزاعات حول العالم الرئيس اليمني عبد ربه منصورهادي وكبير المفاوضين الحوثيين محمد عبد السلام وقال إنه يأمل بجلب الأطراف إلى طاولة المفاوضات والتوافق على وقف القتال. وتقول إليزابيث ديكنسون، المحللة البارزة في شؤون الجزيرة العربية بمجموعة الأزمات الدولية: «لديه أحسن فرصة لم تتوفر لأي مبعوث ويحظى بثقة من الاطراف أكثر من المبعوثين السابقين».
الوقت ينفد
وفي الوقت الذي أوقف الإماراتيون الحملة على ميناء الحديدة لمنحه فرصة إلا أنه لا يملك إلا وقتاً قليلاً للتوصل إلى تسوية قبل التقدم إلى المدينة التي حصنها الحوثيون بالقناصة والخنادق والألغام. ويقول الدبلوماسيون الإماراتيون إن حملة الحديدة ساعدت في الضغط على الحوثيين لمقابلة غريفيثس ومنحوه نفوذاً للتفاوض حول محادثات السلام وتسوية الحرب التي مضى عليها ثلاثة أعوام. ويقول دبلوماسي إماراتي إن حملة الحديدة هي بالضبط ما سيحرف الموازين والتوصل إلى تسوية سياسية تنهي الحرب وذلك بعد جمود ثلاث سنوات من الجمود العسكري والسياسي. ويقول الإماراتيون إنهم سيواصلون المساعدات الإنسانية وحضروا أطناناً من المواد المساعدات حتى لا يتوقف الدعم حالة تضرر الميناء بسبب المعركة وتعذر الوصول إليه. لكن منظمات الإغاثة قلقة من أن تؤدي مواجهة جديدة مع الحوثيين لقطع الإغاثة خاصة عن السكان الذين يعيشون تحت حكم الحوثيين.
يقول سكوت بول، الخبير في اليمن بمنظمة أوكسفام: «ما لم تكن هناك خطة يتم من خلالها نقل الإمدادات عبر خطوط القتال وبدون معوقات يقوم بها أي من الأطراف، فأي حديث هو مجرد عبث». وقال إن شحنات الإغاثة وشاحنات الإمدادات قد تعلق وسط النيران بشكل يعرقل تدفق المساعدات للمدنيين. وأضاف: «ما يخيف بشأن هذه العملية هي الطرق المتعددة التي سيقود فيها لتدهور الاوضاع ولا يمكن منع أي منها». وتواجه إدارة الرئيس دونالد ترامب ضغوطاً للحد من دعمها للتحالف الذي تقوده السعودية وسط تزايد في أعداد القتلى واتهامات جديدة عن السجون السرية التي تديرها الإمارات والتي ينتشر فيها التعذيب والإنتهاك الجنسي. وتنفي الإمارات الإتهامات فيما وصفت الخارجية الأمريكية مزاعم الإنتهاكات بالمثيرة للقلق. وقالت الجنرال ريبيكا ريباريتش المتحدثة باسم البنتاغون «تتعامل الولايات المتحدة مع اتهامات الإنتهاك بجدية».
شريك قوي
ووصفت المتحدثة باسم الخارجية الإمارات بـ «الشريك القوي» مضيفة أن الوزارة تدير نقاشات دورية مع الحكومة الإماراتية «في موضوعات مثل هذه». وتتعامل إدارة ترامب مع الحرب هذه كوسيلة لمواجهة التأثير الإيراني المتزايد في اليمن حيث قدمت طهران للحوثيين الصواريخ الباليستية التي أطلقوها باتجاه الاراضي السعودية. ووفرت الولايات المتحدة لطيران التحالف العربي التزويد بالوقود أثناء الطلعات الجوية والمعلومات الإستخباراتية. وحسب معلومات القيادة المركزية فقد زودت الطائرات الأمريكية منذ بداية الحرب أثناء إدارة باراك أوباما عام 2015 حوالي 2.868 عملية تزويد وقود حول القرن الأفريقي بما فيها اليمن. وأكد وزير الدفاع جيمس ماتيس ان الولايات تقوم بتقييم الدعم الإستخباراتي للسعوديين ومحاولة تجنب القتلى المدنيين. وبعد تقرير للأمم المتحدة عن مقتل 100 مدني يمني بسبب القصف السعودي قال ماتيس للصحافيين «لم اكن يوما مرتاحا لسقوط مدنيين». وقال «نحاول تعليمهم كيفية استخدام المعلومات الاستخباراتية بدقة من أجل تجنب قتل المدنيين». وفي الوقت الذي تواصل فيه إدارة ترامب دعم التحالف إلا أن صبر الكونغرس ينفد. وهدد السناتور بوب ميننديزـ العضو البارز في لجنة الشؤون الخارجية بوقف صفقة بقيمة ملياري دولار مع السعوديين وأكثر من 120.000 ذخيرة دقيقة للإماراتيين.
وعلى ما يبدو فالصفقة هي جزء من 110 مليارات دولار أعلن عنها ترامب أثناء زيارته للسعودية العام الماضي. وفي رسالة كتبها ميننديز في 28 حزيران (يونيو) إلى وزير الخارجية مايك بومبيو وماتيس «أشعر بالقلق من أن سياستنا تساعد على إدامة النزاع الذي تسبب بأكبر كارثة إنسانية في العالم». وأكد مسؤول في الخارجية تسلم الرسالة لكنه أضاف «تظل أهدافنا في اليمن متناسقة: العمل مع شركائنا الدوليين لجلب السلام والإزدهار والامن لليمن» وقال إن حلاً دائماً لن يحصل إلا من خلال خطة شاملة تقتضي تنازلاً من كل الأطراف.
المصدر : القدس العربي