حدث لافت أن يخرج آلاف الاشخاص في وسط مدينة سوتشي الروسية ويقطعوا الطريق الرئيس للمطالبة بالتراجع عن قرارات اقتصادية. وفي كراسنادار أجبر المعتصمون السلطات المحلية على إلغاء قوانين زيادة تعرفة وسائل النقل، وإعادة اعفاءات لفئات المتقاعدين كانت السلطات ألغتها في إطار جهود تقليص الإنفاق ومواجهة الأزمة الاقتصادية الطاحنة.
لم تكن للمطالبات التي حركت اشكالاً احتجاجية واسعة في 2012 ابعاد اقتصادية او معيشية، كانت الشعارات المرفوعة وقتها رفض تزوير الانتخابات ومكافحة الفساد والتضييق على الحريات، أما أن يرتفع شعار «لا للجوع» ويكون محركاً لاحتجاجات فهذا تطور لم تشهده روسيا منذ نهاية تسعينات القرن الماضي.
تستبعد مراكز دراسات مقربة من الكرملين ان تتسع الاحتجاجات المحلية في عدد من الأقاليم، وتتحول الى «ثورة جياع»، فالتدابير الحازمة وقوانين مكافحة الشغب و «الارهاب» و «مؤامرات الطابور الخامس» تقف بالمرصاد لتطور من هذا النوع. لكن في المقابل يبدو المشهد قاتماً في بداية العام 2016 الذي يتوقع له الخبراء ان يكون الأسوأ.
وتبدو استطلاعات الرأي التي تجريها مراكز مقربة من الكرملين، متباينة في معطياتها ويجري استخدام نتائجها في شكل مثير، ومثالاً أجرى مركز عموم روسيا لدراسات الرأي العام بحثاً عن تأثر الروس بالأزمة جاءت نتائجه كالآتي:
40 في المئة من الروس لا يشعرون بوجود أزمة نهائياً! هكذا تناولت وسائل الاعلام النتيجة بدلاً من التعاطي مع النسبة الأوسع، فـ60 في المئة من الروس يشعرون وفق الدراسة بأنهم معرضون لهزات جدية.
ومثل ذلك القول في الصحافة أن «أصحاب المدخرات بالدولار أوضاعهم جيدة ولم يتأثروا»، لتكشف دراسة أن 3 في المئة فقط لديهم مدخرات بالعملة الخضراء بينما 52 في المئة من الروس يحفظون مدخراتهم بالروبل و40 في المئة لا مدخرات لديهم اصلاً.
وحتى أصحاب المدخرات ليسوا في مأمن من تقلبات الأزمة وضرباتها، اذ سرعان ما يتضح ان 60 في المئة منهم بالكاد أدخروا ما يكفيهم لشهر او شهرين في الأيام «السوداء».
وبعيداً من نسب وأرقام مراكز الاستطلاع التي يجري توظيفها سياسياً في الغالب، تعكس معطيات المؤسسات الحكومية خشية جدية من تدهور اكبر منتظر.
بين المؤسسات المهمة مركز التحليل والمتابعة التابع للحكومة وأكاديمية الدراسات الاجتماعية ومركز الاقتصاد المعاصر وهي أجمعت في ندوة مخصصة للوضع الاقتصادي – المعيشي اخيراً ان بين 30 و50 في المئة من الروس مهددون جدياً بالانزلاق الى ما دون خط الفقر.
ووفق الوكالة الوطنية للبحوث المالية، لمست نسبة 85 في المئة تأثيرات اقتصادية في حياتهم، 48 في المئة بسبب التضخم و40 في المئة لأن الغلاء دفعهم الى التقشف والتخلي عن 30 في المئة من مشترياتهم العادية.
لتوضيح النسب أكثر، يشير تقرير للهيئة الفيديرالية للاحصاء الى ان الدخل الحقيقي للمواطن تراجع في كانون الأول (ديسمبر) الماضي وحده 11 في المئة، بسبب التضخم والغلاء وتدهور سعر الروبل، وهذا معدل هو الأسوأ منذ 1999 اي عام وصول الرئيس فلاديمير بوتين الى السلطة.
وفي التقرير ان 22 مليون روسي حالياً باتوا تحت خط الفقر، وللمقارنة فإن هذه الفئة بلغ تعدادها عام 2013 اي 12.5 مليون روسي، ما يعني ان نسبة الفقراء تضاعفت مرتين خلال عامين. وهذا الكلام قالته نائب رئيس الوزراء لشؤون السياسة الاجتماعية اولغا غولوديتس.
لكن الأسوأ ان 25 في المئة من الروس تقف دخولهم عند مستوى أعلى بقليل من خط الفقر، ما يعني انهم معرضون للانزلاق الى ما دون خطه في حال تعرضهم لأي هزة جديدة مثل فقدان الوظيفة او الغلاء او تقليص الموازنات الاجتماعية او تخلف صاحب العمل عن سداد الرواتب. وهذا خطر بدأت ملامحه تظهر في عدد من الأقاليم.
الحياة