في حلب وحدها.. صوت الموت أقوى من صوت الحياة

بالغموض والخوف من المجهول يواجه أهالي حلب الفارين من موت مصيراً مؤلماً لم يكن أفضل من ذي قبل مع هشاشة اتفاق ملؤه الخزي والعار للفصائل المتخاذلة، والقهر والخوف للمدنيين المحاصرين، والتجبر والإجرام للميليشيات وقوات النظام، فإن دل على شيء فهو يدل على هشاشة مواقف العالم المتفرج الصامت، أمام ما يجري في حلب المحترقة، ذلك الاتفاق الذي حمل مزيداً من الأوجاع التي لا تقل مأساوية عن نيران القصف وكتل الحديد الملتهب التي ما توقفت تنهال على مساكن المدنيين من أكثر من 15 يوما متواصلة.
اتفاق الذي رأى النور أخيرا حمل لآهالي حلب الكثير من المتغيرات والمفاجآت، فقد كان بالعموم تم الاتفاق على تنفيذه لكن للأسف عند تطبيق البنود ضعنا في التفاصيل، والإضافات والزيادات في سبيل تحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب من قبل الطرف المنتصر أو الغالب لأن قوات النظام ما انتصرت لكن حرقت ودمرت وأبادت عائلات بأكملها، فالبنود والتفاصيل هي التي أوقفت عملية الإجلاء للمدنيين ومقاتلي المعارضة من حلب نحو ريفها الغربي، وسط عرقلة ميليشيات طائفية إيرانية قامت باحتجاز مئات المدنيين بعد إطلاق الرصاص على الحافلات التي كانت تهم بالخروج من معبر الراموسة.
نعم كان كل ذلك من جانب الميليشيات الطائفية مستغلة رجحان الكفة على الأرض لصالح نظام يشعر بالزهو والنصر على شعبه المسالم بعد أن أشبعه تدميرا وعذابات وقتلا، لتأتي نهاية حقبة زمنية مريرة حقبة أخرى من الوضع السياسي المفروض جغرافياً.. إذ بعد سقوط مدينة حلب برعاية روسية وحلفاء داعمين لنظام الأسد، ظهر دور روسي جديد متغير الذي يعتبر نفسه في موقع الإملاء.
حيث اقترح “بوتين” ما سماه مفاوضات سلام بين النظام والمعارضة في سوريا ليبرز الدور الروسي من المراحل المقبلة، وذلك من خلال تصريحات “بوتين” الواضحة من أن الطرف الروسي سيبلغ النظام السوري وأن الطرف التركي سيبلغ المعارضة وبالتالي الضغط من جديد على المعارضة.
وراء كل سبب علل عدة ودوافع متعددة ووراء آلام المدنيين في حلب عظمة نفوس وأرض شهدت لها البشرية بالحضارة والعراقة، فرغم ملامح وجوه المهجرين التي تكشف عمق الأوجاع وطولها وتأثيرها اللامحدود نجدهم يتمسكون بالعودة والصبر، لعلّ فرجا قريبا يعيدهم لمساكنهم ومدينتهم مدينة لم يبق فيها أحد حتى الأشباب لا تجرى أن تعيش في مكان تمارس عليه كل هذه الأنواع من الوحشية، إنها الأحياء التي أرغمهم الطامعون على الخروج منها، لن ينسى صغيرهم ولا حتى كبيرهم، تدمير كل ما في مدينتهم.. حتى تراثها الإنساني الذي يعود لآلاف السنين.
آلاف المدنيين العالقين والتي قدرتهم الأمم المتحدة ب 50 ألف على الأقل لا يزالون ينتظرون الفرار، لم يخرج سوى ستة آلاف وحتى من خرج منهم لم تنتهِ أحزانه، فهاجس المجهول لا يفارقهم دونك عن عدم قدرتهم على الانتقال لمكان الاستقرار وبقيت أسرهم مشردة ومشرذمة كل فرد في مكان مختلف، كحال أبي عمر الشيخ العجوز وبلسان العاجز تحدث معنا قائلاً “رغم خروجى مع زوجتي وابنتي إلا أن قلبي يتفطر حزناً على بقية أبنائي وأحفادي.. آه ما عساي أن أقدم لهم سوى التضرع إلى الله بالدعاء بالفرج القريب”.
لم يستطع أبو عمر متابعة حديثه وأشار بيده التي تحمل علامات بارزة لردح من السنين، يد ترتجف برداً خوفا ألما وحنينا إلى مدنيين يشاركونه الآلام ولم تكن حالهم الأفضل، فقد خرج هو لكن آلافا وآلافا غيره لم يتمكنوا من الخروج.
بالتزامن مع ذلك الغموض الذي ينتظر أهالي حلب، ما زالت حملات التواصل تتضامن حول من بات صوت الموت لديه أقوى بألف مرة من صوت الحياة، لكن ما عساها هي فاعلة إلا القليل والقليل هنا هو أقله وأبسطه، فلا شيء يعوضهم عن حلب التي خرجوا منها.
المركز الصحفي السوري – بيان الأحمد

اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا

 

المقالات ذات الصلة

النشرة البريدية

اشترك ليصلك بالبريد الالكتروني كل جديد:

ابحثهنا



Welcome Back!

Login to your account below

Retrieve your password

Please enter your username or email address to reset your password.

Add New Playlist