تحلّ مناسبة اليوم العالمي للمفقودين، أو ضحايا الاختفاء القسري، في 30 من آب / أغسطس من كل عام ، ولايزال الإخفاء القسري إحدى أدوات الإخضاع والقمع والترهيب التي تُمارس على البشر بمعظم مساحة هذا العالم، ويترّكز استخدام هذه الأداة الوحشيّة في مناطق النزاعات، وعلى الشعوب الأكثر ضعفاً والفاقدة للحماية.
قلة يعرفون تلك الفظائع التي لا يمكننا وصفها، أو تخيلها حتى قبل عام 2011 ما هي إلا ثمرة نظام عميق وراسخ للقمع وضع في أواخر الخمسينيات، تم ترسيخه بواسطة السجون والتهديدات، التجسس والتعذيب والقتل.
هذا النظام الأمني كان قوياً وخاضعاً لسيطرة النظام السوري قبل عام 2011 ، واستخدم بكثافة بعد عام 2011 لمعاقبة الشعب السوري على الحلم والمطالبة بظروف معيشية سياسية واقتصادية واجتماعية أفضل، حيث قوبلت طلباتهم بالموت والتعذيب والعنف والاختفاء القسري.
منذ أواخر الخمسينيات من القرن الماضي عملت القوى الحاكمة على تعزيز جهاز أمن الدولة، وانتهاج سياسة الإخفاء القسري ضد الأحزاب و الحريات السياسية، حيث لا يزال مصير آلاف الأشخاص مجهولا حتى اليوم.
وعلى الرغم من عدم وجود سجلات دقيقة للأشخاص المختفين قسريًا قبل عام 2000 إلا أن بعض التقديرات تشير إلى أن 17.000 شخص على الأقل اختفوا قسريًا بين عامي 1980 و 2000.
حسب سجلات مركز توثيق الانتهاكات في المركز السوري للإعلام وحرية التعبير ، فقد تصاعد استخدام الإخفاء القسري منذ عام 2011 ، حيث بلغ عدد المعتقلين تعسفياً والمختفين قسرياً أكثر من 93.453 شخصاً. وعلى الرغم من أن غالبية هذه الانتهاكات ارتكبتها الحكومة السورية ، إلا أن أطراف النزاع الأخرى المتمثلة ب ” قوات سوريا الديمقراطية ” و ” تنظيم الدولة ” التي شاركت بشكل منهجي في بث الرعب وزيادة عدد المختفين قسريًا والمعذبين في سجونها.
في السنوات العشر الماضية ، قُتل أكثر من 13.500 شخص تحت التعذيب موثقين في مراكز الاحتجاز التابعة للحكومة السورية.
في عام 2013 ، سرب مصور عسكري سوري يُدعى قيصر أدلة على التعذيب وقتل أكثر من 6250 معتقلاً في مرافق الاحتجاز الحكومية. تم لحظ هذا الدليل على القتل المنهجي للمختفين قسريًا كدليل على جرائم النظام من قبل ممثلي عدة دول بينهم لوران فابيوس ، وزير الخارجية الفرنسي السابق الذي وصفها بأنها “جرائم ضد الضمير الإنساني.
وأضاف : إن منهجية الرعب هذه ، هي إنكار للقيم الإنسانية ، فمن مسؤوليتنا العمل ضد إفلات هؤلاء القتلة من العقاب ”. ومع ذلك ، لا يزال الجناة طلقاء دون أي عقاب.”
بدوره وضع المركز السوري للإعلام وحرية التعبير ، أهم البنود والتحدث بأولويات المفقودين والمغيبين في سجون المشاركين في النزاع ، وكان أبرزها :
لن ندخر أي جهد في استخدام أي وسيلة أو آلية قانونية دولية لمحاسبة الجناة، حيث على الجناة أن يعلموا أن الإفلات من العقاب لن يكون هو القاعدة و أن العدالة من حق الجميع.
سنواصل السعي إلى إنشاء آلية مساءلة وطنية شفافة وعادلة مع ضمانات دولية تحقق في الجرائم وتضمن المساءلة والتعويض وعدم التكرار ، لأن هذا الضمان وحده هو الذي يضمن السلام المستدام في سوريا.
وندعو المجتمع الدولي إلى دعم جهودنا لضمان قيام الحكومة السورية وجميع أطراف النزاع بالكشف عن أسماء وأماكن جميع المحتجزين والمختفين قسريًا المحتجزين لديها في جميع مراكز الاعتقال الرسمية والسرية.
نطالب جميع أطراف النزاع بالامتثال للقوانين الدولية وضمان التحقيق الفعال في الجرائم المرتكبة ضد المعتقلين والضحايا الذين قتلوا تحت التعذيب وتسليم جثث الضحايا إلى عائلاتهم لضمان دفنهم احترامًا لكرامة الإنسان وطقوس العائلات ، التأكد من محاكمة الجناة ومحاكمتهم وفقًا للقوانين الدولية.
ونؤكد مطلبنا بالإفراج الفوري عن جميع المعتقلين .
أخيراً تستمر حكومة الأسد في رفضها الكشف عن أسماء الضحايا وأماكن وجودهم ، بينما لا يوفر المجتمع المدني السوري جهدا للتعرف على الضحايا و دعم عائلاتهم في بحثهم .
ورغم هذا الذي يعتبره كثيرون، إخفاءً قسريّاً لملف المفقودين السوريين في الأمم المتحدة، لا يزال الأهالي يستذكرون مفقوديهم، إن كانوا أحياءً أم أموات، فعائلات كثيرة نجت من مجازر الغوطة الشرقية وحمص وحلب ، وقد فقد من أفرادها شخصاً أو اثنان، لا يزال يجول في خاطرهم أن يُعاد فتح الملف لمعرفة مصير أبنائهم، فإن كانوا قد استشهدوا، فمن حقّهم تشييد قبور لهم، وإن كانوا لا يزالون أحياءً فأين يقبعون إلى الآن؟.
محمود المعراوي
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع