“نيالو مات ورتاح وراح عند أرحم الراحمين”، تتكرر هذه العبارة في الآونة الأخيرة أمام مسامعنا بعد أن أصبح الموت شيئا اعتياديا ومتوقعا في كل لحظة في ظل الهجمة العسكرية الشرسة التي تشنها قوات النظام على مناطق المعارضة، فضلا عن عمليات الاغتيال والخطف والقتل ذبحا وسط غياب دور الرقابة وانتشار الفوضى في عموم سوريا.
لكن في سوريا حتى الموتى في قبورهم لم تتركهم براثن الحرب أن يرقدوا بسلام، فقد نشرت صفحة “يوميات قذيفة هاون” الموالية ردا على شكوى سابقة من مادة تحت عنوان “في دمشق نبش قبور وبيع الجثث ..إفراغ القبور من ساكينيها وبيعها للآخرين”، وجاء في الرد:” تم إلقاء القبض على بعض العاملين لدى مكتب دفن الموتى الذين اعترفوا بإقدامهم على تشكيل عصابة امتهنت مهنة اغتصاب ملكية القبور والعبث بها وطمس معالمها بغرض بيعها لأشخاص جدد اضافة إلى استخراج لأعضاء الجثث المدفونة وبيعها حيث تم احالتهم للقضاء أصولا وتنظيم الضبوط اللازمة بحقهم على ان تكون المراقبة مستمرة بشكل دائم .”
ولعل التعليقات التي أردفت الخبر خير دليل على تفشي الفساد وانعدام الرقابة، فعناصر النظام منشغلة بالسرقات على الحواجز، ومسؤولوها جل همهم ملء جيوبهم على حساب المواطن وبحسب المثل “أنا ومن بعدي الطوفان، وعلق أحمد ملحم:” إذا الاحياء عم تنهب وما حدا عم يفاتش فيها…ما وقفت ع الأموات…بعدين الله يصلحون ليش عم يعذبو حالون وينكتو القبر قلة جثث مافي مين يلمها فوق الأرض…بس انمسكو هاه..معيارها ببرطلو القاضي بحق جثتين..بلد العجايب”.
وعلّق آخر:” كيف عم تكشفوا حرمة النسوان هدول لازم إعدام إعدام يا حكومة يا رشيدة، بكرا كل واحد منن بيدفع كم ليرة بيصير برا كالعادة وبيرجع أكتر من قبل وبالأخص هلئ صار الدفع بالملايين”.
ما حدث ليس بأمر غريب فالانفلات الأمني بات واضحا ومباحا في مناطق النظام، فكل ما يلزم تقديم الولاء لهم وتقديس رأسهم بشار، ورشوة المسؤولين الذين بدورهم يتعهدون بحماية كل مفسد من إلقاء القبض عليه أو تقديمه للقضاء ومحاسبته على جرمه ليكون عبرة لمن يعتبر، ولكن للأسف الواقع “حاميها حراميها.”
لكن السؤال الذي يفرض نفسه، ما الذي يجبر أشخاصا من المفروض أنهم بسطاء ومن الطبقة العاملة الفقيرة أن يقوموا بمثل هذا العمل الدنيء والبعيد عن الإنسانية فإكرام الموتى بدفن جثمانهم، لكن هل أصبحنا نعيش في بلد وصل للحضيض بالتعامل مع الإنسان؟، أسئلة كثيرة قد تراود أذهاننا وإجابات غير منطقية ويصعب استيعابها من منطلق الفكر الذي تربينا على احترامه، فقد وصلنا في نهاية المطاف حتى أمواتنا لن ترقد جثامينها بسلام، ولن ترتاح في قبورها من العبث والفساد الذي طال كل شبر في سوريا الجريحة.
المركز الصحفي السوري _ سماح الخالد