إسطنبول: يبدو أن الرياح تأتي بما لا تشتهي سفن الجنرال الانقلابي الليبي خليفة حفتر، بعد أن خسر رهانه على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في معركة الانتخابات الرئاسية، أمام منافسه الديمقراطي جو بايدن، الذي لا يبدي كبير إعجاب بـ”الدكتاتوريات العربية”.
وسبق لحفتر أن اتهم الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، الذي كان بايدن نائبه حينها (2008-2016) بأنه وقف ضد مشروعه الانقلابي في ليبيا.
وقال حفتر في فبراير/شباط 2017، مع بداية ولاية ترامب، أتمنى أن تكون فترته الرئاسية مختلفة عن “الظلم الذي وجهه أوباما إلينا”.
وفعلا منح ترامب حفتر فرصة ذهبية لحكم ليبيا، بتحريض من القاهرة وأبوظبي، وأعطاه “الضوء البرتقالي” لاقتحام العاصمة طرابلس، بعد مكالمة شهيرة كان بطلها جون بولتون، مستشار الأمن القومي الأمريكي، الذي قال له “إن كنتَ ستهاجم فافعل بسرعة”.
لكن حفتر ضيّع أهم فرصة في حياته وربما آخرها، عندما فشل في احتلال طرابلس، كما أوصاه بولتون، رغم مشاركة عدة أطراف أجنبية عسكريا إلى جانبه في هذا الهجوم، واندحرت مليشياته مهزومة بعد 14 شهرا من القتال الضاري.
شهران أمام حفتر لتغيير تكتيكه
من حسن حظ حفتر، أن بايدن، لن يتولى الرئاسة رسميا إلا في 20 يناير/كانون الثاني 2021، لذلك أمام حفتر أكثر من شهرين لإعادة ترتيب أوراقه، ومحاولة ضمان منصب سيادي ضمن الحوار الليبي، الذي ترعاه الأمم المتحدة بدعم من واشنطن.
فالحزب الديمقراطي الأمريكي معروف عنه تركيزه على الدفاع عن حقوق الإنسان وحرية التعبير، أكثر من الحزب الجمهوري الذي يغلب عليه الطابع البراغماتي.
وسِجِل حفتر في حقوق الإنسان لا يدعو للفخر، فمنذ إطلاقه “عملية الكرامة” في 15 مايو/ أيار 2014، ارتكبت مليشياته العديد من جرائم القتل والاختطاف والنهب، ناهيك عن جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية.
فالمقابر الجماعية في مدينة ترهونة (غرب)، شاهدة على حجم إجرام مليشيات حفتر، التي ارتكبت العديد من المجازر بحق مدنيين آمنين في طرابلس ومدينة مرزق.
وتصفية الأسرى على يد محمود الورفلي، أحد قيادات حفتر، المطلوب لدى محكمة الجنايات الدولية، لا تحتاج إلى دليل بعد نشر فيديوهات إدانته (مفاخرا) أمام العالم.
ومن المتوقع أن بايدن، الذي انتقد السجل الأسود لداعمي حفتر الدوليين وعلى رأسهم النظامين المصري والسعودي، لن يكون رحيما بجنرال تاريخه حافل بالجرائم، آخرها اغتيال المحامية حنان البرعصي (عزوز برقة)، وسط مدينة بنغازي، معقل مليشياته، وأمام مرأى ومسمع من الناس.
فاستمرار الضغط الأمريكي على حلفاء حفتر الإقليميين وبالأخص النظامين المصري والإماراتي للتخلي عنه، من شأنه تضييق الخناق أكثر على الجنرال الانقلابي.
وفتح ملفات جرائمه خاصة في طرابلس، قد يمهد لفرض عقوبات دولية على حفتر وأبرز قادته، وبدء إجراءات محاكمتهم أمام المحكمة الجنائية الدولية، والأهم من ذلك حرمانه من أي منصب سيادي، يُحصنه من المساءلة الدولية.
العدالة الأمريكية تُضيق الخناق على حفتر
يواجه حفتر عدة دعاوى قضائية مرفوعة ضده تتهمه بالتعذيب والقتل، ما يجعل مملكته العقارية التي بناها منذ بداية التسعينات في الولايات المتحدة الأمريكية مهددة بالانهيار.
إذ كشف تحقيق لصحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، أن حفتر خلال فترة إقامته في الولايات المتحدة بين 1991 و2011 اشترى هو وعائلته 17 عقارا، بقيمة 8 ملايين دولار في ولاية فيرجينيا وحدها، حسب سجل العقارات العام، ووثائق المحكمة، ووثائق متابعة أرصدته.
وتدار معظم العقارات من خلال سلسلة من الشركات ويشرف عليها ابنه عقبة حفتر.
وبحسب الصحيفة الأمريكية، يملك حفتر نفسه شقة فاخرة في حي “فولز تشيرتش” بفرجينيا، ومزرعة في ريف ذات الولاية، حسبما يشير السجل العقاري.
وفي يوليو/ تموز الماضي، اشترى ابن حفتر مزرعة خيول بقيمة 700 ألف دولار في منطقة “بويس” بفرجينيا، حسب بلاغ الشراء في الصحيفة المحلية “وينشستر ستار”.
ورغم أن حفتر حاول في البداية تجاهل القضايا التي رفعت ضده، إلا أنه اضطر فيما بعد لتكليف فريق من المحامين للدفاع عنه في محكمة فرجينيا، التي قبلت القضية باعتباره مواطنا أمريكيا، ولديه أملاك في الولاية.
ورفض قاضي المحكمة الاعتراف بمزاعم فريق الدفاع بأن حفتر “يتمتع بحصانة رئيس دولة”، بحسب إعلام أمريكي.
ومن شأن إدانة حفتر في القضاء الأمريكي، أن يفتح الباب أمام مزيد من القضايا الجنائية في حق الجنرال الانقلابي، مما يقلص حظوظها في إمكانية قيادة الجيش الليبي في حال التوصل إلى اتفاق لتوحيده وإعادة بنائه.
لذلك قد يسعى حفتر في المرحلة المقبلة إلى عقد صفقات مع خصومه السابقين في الغرب الليبي، من أجل الحصول على منصب سيادي (قائد عام للجيش) مع التنازل عن شرطه بأن يكون القائد الأعلى للجيش وغير خاضع لسلطة مدنية، مقابل التمتع بـ”الحصانة”.
لكن ذلك قد لا يكون كافيا، إذ سبق لرؤساء دول أن توبعوا في قضايا جنائية على غرار رئيس صربيا سلوبودان ميلوسوفيتش، وقادة صرب البوسنة والهرسك.
ومع وصول بايدن المرتقب إلى البيت الأبيض، واحتفاظ الديمقراطيين بالأغلبية في مجلس النواب، يكون حفتر فقدَ المظلة الدولية التي كانت تتيح لحلفائه، وبالأخص الإمارات، تزويده بالأسلحة والمرتزقة دون القلق بشأن العقوبات الدولية.
ومع ذلك تبقى روسيا وفرنسا، ضمن قائمة الدول الداعمة لحفتر، والتي تملك حق النقض في مجلس الأمن.
ما يعني أننا سنشهد في المرحلة المقبلة احتداد المواجهة بين واشنطن وموسكو في ليبيا، سواء دبلوماسيا أو حتى احتكاك عسكري، في حين أن فرنسا ستحاول أن لا تخرج بخفي حنين من ليبيا، ولو عبر عباءة أوروبية.
نقلا عن القدس العربي