خلص باحث في معهد بروكنغز إلى أن الإدارة الأميركية القادمة ستواجه خيارات صعبة في منطقة الشرق الأوسط، وأن اتباع إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما سياسة النأي بالنفس في التعامل مع إشكالات المنطقة سيضر في النهاية بمصالحها.
وقال الباحث كينيث أم بولاك، إن التغيير فشل في دول الربيع العربي لأن أنصار الاستبداد في هذه الدول نجحوا في منع بروز أي قائد ثوري يتمتع بصفات قيادية يمكن أن تلتف حوله الجماهير، مشيرا إلى أن منطقة الشرق الأوسط اتسمت بالغليان والاضطرابات السياسية على مدى تاريخها الحديث، لكن لم يكن الوضع فيها بالسوء الذي عليه اليوم في أي مرحلة تاريخية سابقة.
فشل الرهان الأميركي
وبعد أن استعرض بولاك في بحث مطول نشرته مجلة فورين أفيرز الأميركية -التي تصدر عن مجلس العلاقات الخارجية الأميركي- الأزمات التي تضرب دول المنطقة حاليا، رسم صورة قاتمة لخيارات الإدارة الأميركية القادمة في المنطقة.
وقال إن رهانات الولايات المتحدة على قدرة الأنظمة والكيانات العربية لحل مشاكلها بنفسها قد فشلت، وإن الأنظمة العربية لطالما اعتمدت حلولا وإستراتيجيات من شأنها تأجيج الصراع وتعميق حالة عدم الاستقرار.
واعتبر الباحث أن تداعي الأنظمة العربية التي بنيت على خطأ -بحسب رأيه- بدأ في عقد التسعينيات من القرن الماضي، مع تصاعد الشعور الشعبي بعدم الرضا واتجاه قوى عديدة -خاصة الإسلامية منها- إلى التحرك لإسقاط الأنظمة الحاكمة سواء سياسيا أو عسكريا.
وقال إن الكثير من تلك التنظيمات اعتمد مبدأ ضرب الداعم الأجنبي لتلك الأنظمة الحاكمة وعلى رأسها الولايات المتحدة، مضيفا أن الغليان وصل إلى نقطة الانفجار عندما نزلت الشعوب العربية إلى الشارع في ما عرف بالربيع العربي عام 2011.
سفينة دون ربان
وأوضح بولاك أن علم السياسة يعتبر الثورات مثل سفينة دون ربان لا يمكن التنبؤ بوجهة التيار الذي سيدفعها، وهذا ما حدث في الربيع العربي، فبعد النجاح في منع ولادة قيادات ناجحة من رحم الثورات العربية، غرقت دول مثل ليبيا وسوريا واليمن في حالة من الإخفاق السياسي والفراغ الأمني والحرب الأهلية، بحسب تعبيره.
واستعرض بولاك في بحثه خيارات الإدارة الأميركية في معالجة قضايا الشرق الأوسط، والسياسة التي يمكن أن تتبعها لتحقق أهدافها الإستراتيجية، منتقدا في الوقت نفسه سياسة النأي بالنفس التي اتبعتها الإدارة الأميركية، ورأى أن دول الشرق الأوسط لطالما كانت بحاجة لقوة حاضرة ليس للتبعية ولكن لتحييد الأزمات عند الضرورة، وأن الضرر الأكبر الذي نتج عن هذه السياسة الأميركية يتجسد في الحال التي آل إليها العراق.
تغيير السياسة
ووجه الباحث اللوم بشكل مباشر إلى إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما في جر الشرق الأوسط إلى الحال التي هي عليها اليوم، نتيجة لسياسة النأي بالنفس التي تتبعها وأدت إلى أن تستل كل حكومة أو مجموعة سيفها وتنزل إلى الميدان لتدافع عن مصالحها بالطريقة التي تراها مناسبة.
ولأن الوضع لن يتحسن قبل انتهاء فترة الرئيس باراك أوباما، طرح بولاك الخيارات الممكنة للإدارة القادمة، ورأى أن الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط يتطلب نهجا جديدا ينصب مباشرة على الأسباب، ويتمتع بالموارد الكافية لتحقيق الأولوية الأولى وهي إنهاء الحروب الأهلية -بحسب تعبيره- الجارية عن طريق إرسال مزيد من القوات الأميركية لبؤر الصراع.
واعتبر أن مهمة هذه القوات هو إفهام الأطراف المتصارعة أن تحقيق النصر الحاسم أمر مستحيل، ومن ثم بناء جيوش قادرة على فرض وقف إطلاق النار.
أما إذا اختارت الإدارة الأميركية القادمة الاستمرار في نفس سياسة الإدارة الحالية، فسيتحتم عليها إجراء حسابات دقيقة حول الأضرار التي ستلحقها الحروب المستعرة دون وازع بمصالحها في المنطقة، والتي لخصها في: حماية أمن إسرائيل، والنفط، ومحاربة “الإرهاب“.
وحذر الباحث في معهد بروكنغز من أن الأضرار الجانبية للحروب الأهلية والحروب غير النظامية لا يمكن التنبؤ بها أو توقعها، وهو ما أثبته تاريخ هذا النوع من الصراعات، مؤكدا أن الولايات المتحدة ستكون أمام حالة مستديمة من الاستنفار والاستعداد لمواجهة ومعالجة الأضرار التي قد تلحق بمصالحها في المنطقة.
المصدر : فورين أفيرز
مركز الشرق العربي