الرقة في سوريا مثل الموصل في العراق، من أقوى معاقل “داعش”، وسيطرة التنظيم عليها يعني سيطرته على المقلب السوري من الحدود الجنوبية مع تركيا . واشنطن دفعت بـ”قوات سوريا الديموقراطية” لانهاء حكم “الخلافة” في “عاصمة البغدادي”، والعنصر الكردي يهيمن على عديد هذه “القوات”، في حين ان غالبية سكان المدينة من العرب الذين عليهم ان يختاروا بين ارهاب “داعش” والخضوع للحماية الكردية… وفي كلتا الحالتين مشكلة!
وعلى رغم ان الاكراد لا يستسيغون القتال في مناطق غير كردية لئلا يجدوا انفسهم في مستنقع، فان لا مصلحة لحزبهم السياسي الكبير “العمال الكردستاني” في الخروج عن المشيئة الاميركية في ظل لعبة الامم الدائرة على الارضين السورية والعراقية، فمن يشارك الكبار في لعبتهم يضمن حصة من الفتات عند تقاسم الكعكة على موائد المفاوضات أو التسويات. فبينما تريد “قوات سوريا الديموقراطية” السيطرة على الرقة بدعم أميركي، سيسعى جيش النظام السوري الى اخراج “داعش” من دير الزور. وهكذا، المقايضة بين الكبار قائمة بينما الصغار يسعون الى حصص مضمونة. فاذا نجحت العملية في الرقة تكون “وحدات حماية الشعب” الكردية أحكمت سيطرتها على المناطق الواقعة شمال الرقة وضمنت لنفسها معبراً حدوديا الى قلب عدوتها اللدود تركيا، على ان تترك قلب المدينة للعناصر العربية في قوات سوريا الديموقراطية”. وفي المقابل، يضمن دخول الجيش السوري دير الزور لدمشق وحلفائها طريقا مفتوحا من طهران الى سوريا الساحل والعاصمة عبر العراق.
هذا اتفاق اللحظة، ولا يعني اطلاقاً ان وقت الوئام الدولي لانجاز تسوية كبرى في سوريا قد حان، فالتباين بين الكبار لا يزال على أشده. إدارة أوباما التي اخفقت في التفاهم على التسوية الكبرى مع الكرملين، تشعر بالحاجة إلى إنجاز في حربها على الإرهاب لعل ذلك يبدل في المشهد السوري ويغطي على دورها الملتبس الذي ساهم في استعصاء الأزمة. ولعل مساهمتها في تحرير الرقة والفلوجة يفتح الطريق إلى الموصل ويخطف من موسكو بريق استعادتها تدمر ويعيد الى من يخلفها في البيت الابيض دور الراعي الاكبر في المنطقة. وواضح أن روسيا تواجه بدورها معضلة في تدخلها العسكري الذي توقف عند أبواب حلب وادلب ولم يعطها الكلمة الاخرى في بلاد الشام. وهي أيضاً تبحث عن انجاز يمكن ان تستثمره في التعجيل في التسوية التي تريدها وتمنحها الحصة الاكثر دسماً في سوريا أو تعطيها ورقة رابحة في صراعها مع “الناتو”.
ما يدور في شمال سوريا لا يزال في اطار إدارة للصراع وليس حلاً له، فالفواتير لم تدفع كاملة بعد!
النهار