بقدمين صغيرتين ترجفان بردا، وقلب يخفق بقوة من شدة الخوف، يلحق محمد بوالدته التي تسحب جدته على كرسي متحرك خشية أن يضيعها وسط الحشود المتهافتة للوصول إلى حي آمن بعد أن تقدم النظام في حي الكلاسة في حلب، فأجبروا على ترك منزلهم والهرب بعيدا عن إجرام النظام ووحشيته التي يظهرها في كل منطقة يسيطر عليها، كما حدث مع أهالي حي الفردوس وبستان القصر فدماء أبنائها لم تجف بعد ومازالت آثارها عالقة في كل حافة وزاوية من تلك الأحياء التي أخذها النظام بقوة السلاح وبمساندة روسيا الصديقة لا بقوة جنوده.
وبعد المجازر المروعة التي ارتكبتها طائرات النظام وروسيا في حلب للضغط عليهم وتهجيرهم تم التوصل لاتفاق مع ثوار حلب المحاصرة برعاية روسية تركية ينص على وقف إطلاق النار وخروجهم من الأحياء باتجاه ريف حلب الغربي، إلا أن النظام كعادته يخرق أي اتفاق في سبيل قتل أكبرعدد ممكن من الأبرياء، فقامت ميليشيات إيرانية بقصف الأحياء المتبقية بالمدفعية نافية أي اتفاق وأنه لا علم لها به، ووضعت شروطا جديدة لتنفيذه والتي تنص على إجلاء الجرحى وبعض العائلات من قريتي كفريا والفوعة الشيعيتين مقابل ذلك.
لم يتوقع محمد ذو 10 أعوام أن رحلة نزوحه المتواصلة في تلك الأحياء ستنتهي بتسليمها للنظام، فكان يعتقد أن معاناته التي استمرت أشهرا في الحصار والحرمان ستزول عنه فور وصوله لمحطته التالية، إلا أن اتفاق وقف إطلاق النار لا يشمل خروج المدنيين، بل الثوار بسلاحهم الخفيف وذلك بحجة أن النظام يقصف تلك الأحياء بسبب وجودهم ولا داعي لخروج المدنيين بخروجهم.
وهنا تكمن التوقعات أن يقوم النظام بارتكاب مجازر وإعدامات ميدانية بحق أولئك المدنيين، فذنبهم أنهم يعيشون مع المسلحين ويشكلون حاضنة شعبية لوجودهم، وليس بأمر غريب عنه وعن أساليبه القمعية في سبيل البقاء على حساب دماء السوريين.
وعقدت الأمم المتحدة جلسة طارئة لبحث التطورات في حلب ولاتخاذ قرار يوقف سفك الدماء لكن جهودها لم تفلح كالعادة فالنظام أكبر من أن ينساق وينفذ مقرراتها ضاربا بعرض الحائط إتفاقيات حقوق الإنسان، وما حدث اليوم في الجلسة أكبر دليل على كذب النظام المتمثل بمندوبها الدائم لدى الأمم “بشار الجعفري”، فبعد أن انفعل من صنيع المسلحين في حلب أراد توثيق إنسانية جيش النظام ورفقه بالمدنيين الذين حالفهم الحظ وفروا إليهم هربا، فاستعرض صورة فيها لجندي سوري جعل من ظهره جسراً لتعبر عليه امرأة نزحت من أحياء حلب الشرقية.
وبعد انتهاء الجلسة تبين أن الصورة تعود لجندي من الحشد الشعبي في العراق منذ عام كان يساعد امرأة من الفلوجة في النزول من الشاحنة، ورغم انكشاف زيف النظام وكذبه مازال العالم أجمع يشد على يده في قتل المدنيين ويتصنّع الإنسانية ووقوفه لجانب الشعب السوري في ثورته ضد الظلم، فقد توضحت الصورة وانكشفت مخططات اللعبة التي تحاك ضد السوريين لكن بعد فوات الأوان وعلى حساب آلاف الشهداء.
المركز الصحفي السوري ـ سماح الخالد