إذا وصل فرانسوا فيون الفائز في الجولة الأولى من الانتخابات التمهيدية لحزب الجمهوريين الديغولي إلى الرئاسة في فرنسا في أيار (مايو) المقبل، فسيعني ذلك أن سياسة فرنسا الخارجية ستتغير في الشرق الأوسط وخصوصاً في سورية. فيون أعلن مرات عدة أنه سيعيد فتح سفارة فرنسا في دمشق وسيعاود التعامل مع بشار الأسد، إذ إن هناك طرفين في سورية، من يريدون نظاماً توتاليتارياً إسلامياً والآخرين الذين يمثلهم بشار الأسد. وقال فيون إنه يختار الأسد. ويعزز ذلك قربه من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي تربطه به علاقة ود وثقة وصداقة حتى أنه يلعب البليار معه ويمضي إجازات معه في منزله الريفي في سوتشي. وكل ذلك يؤكد عزم فيون على تغيير التوجه الفرنسي في سورية. كما أنه في الحوار الأخير مع المرشحين السبعة قبل فوزه أعلن أنه يحبذ التقارب مع إيران، وانتقد الدبلوماسية الفرنسية الحالية، مطالباً وفق قوله، بـ «إعادة توازن هذه الدبلوماسية التي هي أساس الظاهرة الأصولية في الإسلام».
وتجدر الإشارة إلى أنه خلال ترؤسه الحكومة في عهد ساركوزي خلال خمس سنوات، زار السعودية والتقى العاهل السعودي الراحل الملك عبدالله. وفيون يطالب منذ حوالى سنتين بالتقارب مع إيران و «حزب الله». وبعض النواب المقربين منه مثل تييري مارياني وفاليري بوايي كانوا زاروا سورية للقاء الأسد. ويرى فيون أنه من أجل حماية المسيحيين في سورية ينبغي الحفاظ على بقاء بشار الأسد. وإذا وصل إلى سدة الرئاسة فسيكون مسؤولاً عن عهد جديد من علاقات فرنسا في الشرق الأوسط، علماً أن منافسه في الانتخابات ألان جوبيه، استغرب كيف يمكن بناء مستقبل سورية مع رئيس تسبب برحيل نصف السوريين عن بلدهم. ولكن السياسة الخارجية لا تلعب دوراً في اختيارات الناخب الفرنسي الذي تهمه الضرائب والبطالة والتقاعد. وبرنامج جوبيه أكثر اعتدالاً وحداثة من فيون اليميني المحافظ الذي حصل في الجولة الأولى على أكثر من ٤٣ في المئة من الأصوات بعكس ما كانت تتوقع استطلاعات الرأي، والأرجح أن يفوز في الجولة القادمة، خصوصاً أن الرئيس السابق نيكولا ساركوزي الذي شهد هزيمة كبرى في هذه الانتخابات، أعطى إشارة لمؤيديه وهم أكثر من ٢٠ في المئة بالتصويت لفيون الذي كان رئيس حكومته وتحول لاحقاً إلى خصم ومنافس له. ورغم ذلك أسرع ساركوزي الأحد الماضي إلى تأييده، بالقول إنه أقرب إلى توجهه السياسي من جوبيه. ولكن فوز فيون لا يعني أنه سيصل حتماً إلى سدة الرئاسة، لأن اليسار الفرنسي لم يمت بعد. وكل شيء ممكن، على رغم أن فرانسوا هولاند يحظى بتأييد ضعيف جداً في استطلاعات الرأي ولكنه لم يقل بعد إذا كان سيترشح للانتخابات التمهيدية للحزب الاشتراكي، ومن سيكون مرشح اليسار، وماذا عن شعبية وزيره السابق للاقتصاد إيمانويل ماكرون الذي قرر خوض المعركة الرئاسية متجاوزاً الانتخابات التمهيدية للحزب الاشتراكي.
أما إذا انتهت المعركة الرئاسية إلى منافسة بين فيون ومارين لوبن رئيسة حزب «الجبهة الوطنية» فسيعني ذلك أن التغيير حتمي في سياسة فرنسا الخارجية مع انطلاقة جديدة في علاقات فرنسا مع الأسد على رغم مجازره في حلب والمدن السورية. فهناك عهد جديد مخيف، وتحول السياسة الفرنسية على الأبواب، إلا إذا حصلت أعجوبة وفاز جوبيه يوم الأحد القادم، وهذا مستبعد، أو إذا استطاع هولاند أن يفوز مرة أخرى في انتخابات الرئاسة، وهذا مستبعد أيضاً، ولو أن كل ما جرى في الانتخابات التمهيدية اليمينية كان مفاجئاً.
الحياة اللندنية