مرّ 100 يوم على تأسيس ما يُعرف بـ”التحالف الرباعي” العسكري بقيادة موسكو من دون تحقيق نتائج لهدفه المعلن ضد الجماعات الإرهابية مثل تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش)، و”جبهة النصرة” في سورية والعراق. وانصبت جهود هذا التحالف على الفصائل السورية المعارِضة لنظام الرئيس السوري بشار الأسد، ودعم مليشيات “الحشد الشعبي” في العراق، وفقاً لمراقبين عراقيين وسوريين.
وكان من المقرر، الأسبوع الماضي، أن يتم الإعلان عن الدولة الجديدة التي ستقود هذا التحالف الرباعي (روسيا، وإيران، والعراق، وسورية)، بحسب نظامه الداخلي الذي ينصّ على أن تتناوب الدول الأربع زعامة التحالف لثلاثة أشهر، إلّا أنّ ذلك لم يتحقق حتى الآن. وأُعلن عن التحالف في 28 سبتمبر/أيلول 2015، وباشر عمله بشكل فعلي يوم 26 أكتوبر/تشرين الأول، بعد وصول وفود روسية وإيرانية وأخرى تابعة للنظام السوري إلى بغداد، والإعلان عمّا عُرف لاحقاً باسم “غرفة بغداد المشتركة”.
خفتت الأضواء الإعلامية، تدريجياً، عن هذا التحالف، إلّا أنه لا يزال يعمل في الساحتَين العراقية والسورية بشكل اتسم بـ”الطائفية والتوافق مع أجندات إيران”، بحسب مراقبين. ويهاجم نائب رئيس لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، حامد المطلك التحالف الرباعي، واصفاً إياه بـ”تحالف الشر الذي لم يجنِ العراقيون والسوريون منه إلّا الخراب”، على حدّ تعبيره.
ويوضح المطلك لـ”العربي الجديد”، أنّ “هذا التحالف لم يقدم أي شيء إيجابي للعراق أو سورية، بل على العكس تماماً. يمكن القول، إنّ المنطقة لم تجنِ من أي تحالف غربي على أرضها إلّا السوء والموت بدءا من التحالف المؤلف من 33 دولة الذي غزا العراق، وشاركت مع الأسف فيه دول عربية لغاية اليوم”.
“يمرّ 100 يوم على تأسيس ما يُعرف بـ”التحالف الرباعي” العسكري بقيادة موسكو من دون نتائج لهدفه المعلن ضد الجماعات الإرهابية”
ويعتبر البرلماني ذاته، التحالف الرباعي “غطاءً لقتل الشعب السوري”، مبيّناً أن “العراق وسورية بحاجة لتحالفات وطنية ومن ثم عربية لا غربية تزيد الوضع خراباً”.
ويؤكد المطلك، أنّ “التحالف اكتسب سمعة سيئة من خلال الهجمات والمؤامرات التي نفذت في سورية ويُقتل بسببها مئات المدنيين من أبناء الشعب السوري”، مضيفاً أنّ “التحالف لم يستطع أن ينفّذ كل أجنداته التي من أجلها أُسس على الساحة العراقية طوال المائة يوم التي مرّت من عمره، بسبب قوة التحالف الدولي بقيادة واشنطن وارتباط العراق به، الأمر الذي حال دون ذلك”. ويشير إلى أنّ “بقاء العراق في هذا التحالف هو إساءة لسمعة العراق،” مطالباً الحكومة بـ”اتخاذ قرار عاجل بالانسحاب”.
بدوره، يؤكّد النائب عن التحالف الكردستاني، محسن سعدون، أنّ “التحالف الرباعي لم يحقق أي نتائج تُذكر للعراق منذ تشكيله حتى الآن”. ويقول سعدون لـ”العربي الجديد”، إنّ “التحالف لم يأت بشيء للعراق، والمعارك التي دارت في جبهات عدة لم نلمس له فيها أي دور”، مبيناً أنّ “العراق قد يكون حصل على أسلحة من روسيا من خلال انتمائه للتحالف، لكنّه لم ينعكس إيجاباً على الواقع الميداني”. ويرى سعدون، أنه “لا جدوى من بقاء العراق في هذا التحالف”.
ويصف القيادي في جبهة الحراك الشعبي في العراق، محمد المشهداني التحالف بـ”الطائفي”. ويوضح لـ”العربي الجديد”، أن “التحالف الرباعي طائفي برعاية روسية لم يعمل سوى على دعم مليشيات الحشد الشعبي الطائفية التي تهدد وحدة العراق وتجرّه لحرب أهلية”، على حدّ تعبيره. ويرى المشهداني، أنّ “التحالف المزعوم غطاء لتقوية أجندات إيران في العراق وسورية والتي هي بطبيعة الحال تتوافق مع أجندات روسيا”.
ويشير المشهداني، إلى أن إيران وروسيا قدّمت أسلحة لمليشيات الحشد خلال الفترة الماضية تحت غطاء هذا التحالف وجعلته بمرتبة الجيش، إذ تزامنت وصول الأسلحة للجيش العراقي مع وصول شحنة لتلك المليشيات وهو شيء معروف وصرّح عنه قادة المليشيات في بغداد في أكثر من مناسبة”.
أمّا على الساحة السورية، بدت ملامح وأهداف هذا التحالف أقوى من جارتها العراقية، إذ توضح التقارير الميدانية تمكّن قوات النظام من استعادة أنفاسها في أكثر من منطقة قامت بالسيطرة عليها بعد قصف الطائرات الروسية مواقع فصائل المعارضة السورية، ومهاجمة قوات “الحرس الثوري” المدعومة بمليشيات عراقية وعناصر حزب الله اللبناني، لمواقع المعارضة في ريفَي حلب ودمشق، وبلدات، ومدن شرق البلاد.
وغابت عن أهداف هذا التحالف مواقع الجماعات المتشدّدة التي صُنّفت عالمياً ضمن قائمة “الإرهاب”، وهما “داعش” و”جبهة النصرة”.
في هذا السياق، يقول السفير السوري في الدوحة، نزار الحراكي لـ”العربي الجديد”، إنّ “التحالف أثبت أنّه مؤقت وسياسي أكثر مما هو حرب على الإرهاب، والغاية منه تسهيل قرارات تصبّ في مصلحة النظام السوري”. ويضيف الحراكي، أنّ “ما نشاهده على أرض الواقع يخالف ما أعلنه هذا التحالف ولا غيره من سابقيه. فشلوا جميعهم في تحجيم دور الجماعات الإرهابية، وظهرت مسميات عدّة بعد التحالف الأخير من داخل الأراضي العراقية والإيرانية، قادمة من أفغانستان وباكستان لقتل الشعب السوري”، على حدّ تعبيره.
ويضيف الحراكي، “اعتقادنا أنّ هذا التحالف غايته تمرير أجندة معيّنة تختص بقتل المعارضة السورية لصالح الأسد وليس القضاء على داعش”، مبيّناً أنّه “لدينا مؤشرات حول تحرك داعش الأخير من أطراف دمشق إلى المناطق الشرقية بتسهيل من النظام السوري وروسيا. وكل الأدلة تثبت أن الروس جاؤوا للقضاء على الفصائل المعتدلة التي تقاتل داعش وليس الأخير.
“.تسببت الغارات الروسية في سورية، بحسب الوثائق والأدلة، بمقتل 570 مدنيا بينهم 152 طفلا و60 امرأة”
بدوره، يرى المستشار القانوني السوري، الدكتور محمد صبره في حديث لـ”العربي الجديد”، أنّه “كان واضحاً منذ البداية، أنّ هدف التدخل الروسي تغطية النقص البشري الهائل لقوات النظام السوري. وحاولت الغارات الروسية أن تحد من فعالية الثوار في تحرير مناطق جديدة عبر قصف مكثف خصوصاً في سهل الغاب، وريفَي إدلب وحلب، وهذه المناطق التي لا يتواجد فيها داعش أساساً”.
ويضيف صبره، أنّ “محاولات روسيا لإسناد النظام ومنعه من الانهيار المفاجئ جاءت في اللحظة التي لمست جدية دول الإقليم المؤثرة، ولا سيما تركيا، والسعودية، وقطر بخلق منطقة آمنة في الشمال على الحدود التركية السورية، وجاء هذا التدخل الروسي لمنع قيام ذلك”.
ويشير صبره، إلى أنّ “المائة يوم تسببت في سورية، بحسب الوثائق والأدلة، بمقتل 570 مدنيا بينهم 152 طفلا و60 امرأة على يد الغارات الروسية”. وما بين 85 إلى 90 في المائة من هذه الغارات كانت موجّهة إلى مناطق خاضعة للمعارضة المسلحة، بينما من خمسة إلى عشرة في المائة منها قصفت مناطق داعش، علماً أنّ روسيا لم تقصف أي مقر قيادي لداعش”.
ويوضح المستشار القانوني، أنّ أكبر مجزرتين نفذهما الطيران الروسي بحق المدنيين كانتا في معرة النعمان وريف إدلب، أسفرت عن عشرات الشهداء والجرحى من المدنيين”، مؤكداً أنّ الغارات الروسية قصفت في المائة يوم، 18 مستشفى، و16 مدرسة، و28 مسجداً، و18 سوقاً شعبياً”.
من جهته، يرى الباحث في “المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات”، الدكتور عبد الوهاب القصاب، أنّ “هذا التحالف، وبعد مرور مائة يوم على تأسيسه، جاء لإنقاذ المشروع الإيراني وتثبيت أقدام نظام الأسد”، مرجحاً في حديث لـ”العربي الجديد”، أنّه “في حال نجح هذا التحالف، ستستغله موسكو في ما بعد لترقية وتثبيت مصالحها بالنسبة للعراق خصوصاً في مجال النفط”.
ويصف القصاب، كلا من بغداد ودمشق ضمن هذا التحالف بـ”أتباع وليسوا شركاء”، مبيّناً أن “هذا التحالف طائفي ولا أراه طويل الأمد، لأن المصالح الروسية في الشرق المتوسط تتعارض مع المصالح الإيرانية. وعندما تتمكن موسكو من تثبيت أقدامها في الشرق المتوسط ستكون إيران خاسرة بطبيعة الحال”.
ويلفت إلى أنّ “واشنطن ليست على استعداد للتخلي عن مصالحها في العراق حالياً، وأي تعاون روسي إيراني سوري سيصب لصالح طروحات داعش من دون أدنى شك”.
فيما يعتبر السياسي، الكاتب السوري فواز تلو، أنّ “الغالبية الساحقة من شعوب المنطقة يصنفون إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما كعدو حقيقي لثورات وشعوب وأنظمة المنطقة. لذلك لا يمكن فصل الحلف الرباعي عن الإدارة الأميركية التي تكمله وتغطيه سياسياً وأحياناً عسكرياً”. ويشير تلو لـ”العربي الجديد”، إلى أنّ الحلف الرباعي قائم عسكرياً واستخباراتياً ولوجستياً وسياسياً منذ احتلال العراق أميركياً وإهداءها لإيران. وجاء الإعلان اليوم عن هذا التحالف ليشرعن احتلال إيران للعراق والتدخل الإيراني وأدواته العراقية واللبنانية في سورية، والمسكوت عنه أو المرضي عنه دولياً وأميركياً ومن معظم العرب”، على حدّ تعبيره.
العربي الجديد