للعام الخامس على التوالي، منذ انطلاق الثورة السورية، يستعد السوريون، في منطقة البقاع اللبنانية المحاذية للحدود مع بلادهم، العام الحالي لاستقبال فصل الشتاء بأوضاع لا تقل مأساوية عن الأعوام الماضية.
فالخيم البلاستيكية التي تسكنها الغالبية الساحقة من منهم لا تحميهم من مياه الأمطار وصقيع المنطقة، إلا أن الأمل بغد أفضل ما زال يدغدغ مشاعر وأحلام هذه الفئة التي تعيش غالباً خارج التغطية الإغاثية.
عشرات المخيمات في المنطقة، المعروفة بقسوة شتائها وبردها القارص، منها ما هو تحت إدارة جمعيات خيرية، فيما أغلبها عشوائي، وتفتقر لأدنى مقومات الحياة الكريمة، حياة لم يستطع العالم بأسره تأمينها لهؤلاء المدنيين منذ حوالي خمس سنوات.
تنتظر هذه المخيمات، بمن فيها من نساء وأطفال ورضّع وشيوخ لشتاءٍ قاسٍ، تنذر به الأحوال الجوية السيئة التي بدأت تخيم على منطقة البقاع، ولا حيلة بيد الغالبية الساحقة منهم، لحماية أنفسهم وخيمهم المهترئة، إلا الدعاء وانتظار المساعدات الخيرية من هنا وهناك.
في مخيم “قرية البقاع” في بر إلياس، والخاضع لإدارة “اتحاد الجمعيات الإغاثية والتنموية في لبنان”، يحاول المعنيون تأمين مستلزمات استقبال فصل الشتاء لـ320 عائلة سورية نازحة، إلا أن المطلوب يبقى دائماً أكثر مما هو متوفر، وخاصة البطانيات والمدافئ، ومواد التدفئة.
مخاوف قاطني المخيم، لا تقل عن مخاوف نظرائهم في بقية مخيمات المنطقة، من موسم مليء بالوحول والثلوج ومياه الأمطار التي تجتاح خيمهم، وصولاً لتهديد الأمراض الناتجة عن البرد القارس لأطفالهم وشيوخهم، ما ينذر بوقوع حالات وفاة، إلا أن الأمل بمساعدتهم على درء ما هو قادم، يملأ عيونهم وعيون أطفالهم، الذين يبدون أقل أدراكاً للمجهول القادم، مفضلين الاستمتاع بطفولتهم ولو بالقليل القليل.
بين مستوعبات السكن والخيم، وبعض المرافق المؤمنة في المخيم، من فرن ومطبخ إلى محل حلاقة، فمغسل صغير، تجلس سيدات يبدو على وجوههن تعب وإرهاق سنوات النزوح والمعاناة، ينتظرنَ علَّ الفرج يأتي مبشراً بالعودة الموعودة إلى سورية، من درعا جنوباً، إلى حلب شمالاً.
الحاجة أم محمد، بروحها المرحة الشابة التي لم ترهقها سنوات عمرها الثمانين، تجلس على كرسيها المتحرك، بابتسامة عريضة تنازع تجاعيد وجهها، مصرّة على تغليب الحب والأمل، على الكره واليأس والتعب، وليس لها إلا الدعاء بأن “يرفع الله البلاء عن الأمة، وأن يعود الجميع الى بلادهم سالمين آمنين، وأن يحفظ كل من وقف الى جانب الشعب المظلوم”.
دعاء أم محمد، وهي ترفع يديها إلى السماء وعشرات الأطفال يحيطون بها، هو سلاحها الوحيد الذي تواجه به المعاناة والأوضاع التي تزداد مأساوية يوماً بعد يوم.. دعاء جعل دموع سامعيه تنهمر مرددين خلفها “آمين يا حجة… آمين”.
فضلت الحاجة أم محمد، عدم الظهور أمام الكاميرا، لأسبابها الخاصة، منهية دعاءها بالابتسامة المعهودة، ومداعبة الأطفال، الذين تحلقوا، لتغادر المكان على كرسيها وأملها بغد أفضل يتكرر على لسانها ويسكن عينيها.
أما هيام أحمد أبو رجب، التي تركت درعا، ونزحت إلى لبنان مع زوجها وأطفالها الثمانية، منذ أكثر من سنتين، وتسكن مخيم “قرية البقاع”، لفتت إلى أن المخاوف التي تنتاب النازحين العام الحالي، جراء قدوم فصل الشتاء “هي نفسها التي عانينا منها العامين السابقين برد قارس، ومياه أمطار ووحول تدخل علينا، في ظل قلة التدفئة والحماية نخاف من كل ذلك، ونخاف من الموت أيضاً”.
وشكَت “قلة البطانيات والشوادر البلاستيكية، والمدافئ، التي تعد من أهم متطلبات العيش في فصل الشتاء، وخاصة في منطقة كهذه معروفة بالبرد والصقيع والمطر الغزير”.
وأعربت عن خشيتها من تزايد أمراض الأطفال في ظل موجة البرد التي تجتاح المنطقة، متمنية “العودة الى أرض الوطن في أقرب وقت ممكن”.
من ناحيته، أشار محمد راتب الحلبي، الذي نزح من منطقة جوبر في دمشق، قبل حوالي سنة ونصف السنة، الى أن “القائمين على المخيم يوزعون علينا، مشكورين، ما بقدرتهم تأمينه ولكن تبقى الأمور بشكل عام صعبة وسيئة مع قرب حلول فصل الشتاء”.
وأضاف الحلبي “كل ما نطلبه تأمين أقل مستلزمات مواجهة البرد القارس، من بطانيات ومدافئ مع المازوت”، مشدداً أن المطلب الأهم “العودة الى بلادنا، وهذا ما ندعو الله أن يكون قريباً”.
إدارة مخيم “قرية البقاع” تؤكد سعيها الدؤوب، بالتعاون مع “أهل الخير” لتأمين أهم احتياجات مواجهة البرد القارس وفصل الشتاء الذي بدأ يطرق الأبواب.
محمد هبش، مدير المخيم، أوضح أن “الإجراءات في المخيمات التابعة لنا، ستكون هذا العام أكثر حماية للنازحين، حيث استقدمنا كاسحات لإزالة الثلوج، ونعمل على تأمين المدافئ والمازوت والشوادر البلاستيكية”.
ولفت إلى أن “هذه الأمور هي الأكثر حاجة لحماية النازحين السوريين”، مشيراً إلى أن “بعض الحاجيات لم تؤمن حتى اللحظة، بسبب قلة الموارد المالية وغيرها”.
وأضاف أن “الكويت وعدت بتأمين عدد كبير من المدافئ، ونحن ننتظر المزيد من قبل المتبرعين”، موضحاً أنه “كلما طالت الحرب كلما ازدادت الأوضاع، سوءاً وتدهورا”.
يشار الى أن أكثر من مليون و200 ألف نازح سوري، يعيش غالبيتهم في مخيمات عشوائية في مناطق ريفية وجبلية، في مختلف أنحاء لبنان، الذي يعاني نفسه من أزمات اقتصادية وسياسية وأمنية.
المصدر: السورية نت