هل بقيت مصيبة لم تُصِب السوريين منذ بداية هذا العقد المنحوس؟ أكثر من خمسة ملايين سوري فرّوا من بلادهم، وأكثر من 6.6 مليون سوري شُرِّدوا داخل بلادهم و13.5 مليون سوري في حاجة الى مساعدات إنسانية، هذا مع العلم أن السوريين جميعاً 21 مليوناً.
سورية «سلة غلال» الدولة الرومانية قبل اختراع الأسمدة، بلد من سهول وأنهار، والآن نفط، ثم يجوع السوري في بلده، وقد يُقتَل، أو يشرَّد ليأكله سمك البحر، أو ينتهي في معسكرات اعتقال في أوروبا ولا أحد يريده.
المفاوضات في جنيف عبثية. النظام يريد قتل المعارضة، والمعارضة تريد رحيل النظام، ولا عناصر مشتركة إطلاقاً بين الطرفين. لم نكن في حاجة إلى استقالة محمد علّوش، ممثل جيش الإسلام، من وفد المعارضة المفاوِض لنعرف أن المفاوضات دخلت طريقاً مسدوداً قبل أن تبدأ. أسعد الزعبي، رئيس الوفد المفاوِض، استقال ثم سمعنا أنه أقيلَ، وهناك أيام وعدت المعارضة أن تعلن في نهايتها وفداً جديداً للمفاوضات، هذا مع العلم أن ستيفان دي ميستورا، ممثل الأمم المتحدة للسلام، علّق المفاوضات أسبوعين أملاً بوجود عناصر جديدة تشجع على العودة.
الولايات المتحدة وروسيا تتحدثان عن «تفاهم» إزاء الوضع في سورية. هذا ليس صحيحاً، فالأميركيون يريدون رحيل الرئيس بشار الأسد، والروس، مع إيران وحزب الله، يصرّون على بقائه. عندما أعلِنت استقالة محمد علوش قال نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف إنه يرحِّب باستقالته، ووجد أنها تطور إيجابي لأن المفاوضين عن المعارضة لهم موقف «غير بنّاء إطلاقاً ولا يريدون التفاوض على أي أمر إيجابي، والأفضل بالتالي بقاؤهم بعيدين عن المفاوضات».
مرة أخرى، المفاوضات عبثية ولا وقف لإطلاق النار في سورية، وإنما الغارات تحصد المدنيين كل يوم، ولا يُعرَف هل هي من قوات النظام أو الطيران الروسي، وقد علّقت المعارضة اشتراكها في المفاوضات في نيسان (أبريل) بسبب الغارات والهجمات البريّة ثم عادت إليها. ما نعرف حتى الآن هو أن 470 ألف سوري قُتِلوا منذ 2011، وأن ملايين آخرين يواجهون مجاعة في بلد الخير. والأميركيون والروس لا يستطيعون أن يوصلوا المواد الغذائية إلى كل المناطق المحاصَرة.
كنت رجوتُ، من دون سبب منطقي لتوقع إيجابيات، أن نصل إلى أول آب (أغسطس)، ويتفق النظام مع المعارضة على نظام سياسي انتقالي مشترك، يمهِّد لعودة السلام.
ما حدث هو عكس ما تمنيت والشهر المقبل سيشهد اجتماع الدول الأعضاء الثماني والعشرين في الناتو لمراجعة العقوبات المفروضة على روسيا بعد «غزو» أوكرانيا فمدتها ستنتهي مع اجتماع الناتو في وارسو. أرجِّح أن تُجدَّد العقوبات، وربما زيدت سورية على أوكرانيا إلا أن روسيا لن تتراجع، وربما ردّت بتصعيد في هذا البلد أو ذاك.
في هذا الوضع، كنت أتمنى لو أن الدول العربية القادرة التي أثق بحسن نواياها تتدخل عسكرياً في سورية، إلا أنني أدرك أن ليس لها القدرة العسكرية لمواجهة النظام السوري وروسيا وإيران وحزب الله، فأسجل على نفسي، وأدعو أن أكون مخطئاً، أن لا حل قريباً في سورية بمفاوضات أو من دون مفاوضات.
الحياة – جهاد الخازن