تستقبل مدينة إدلب في الشمال السوري عيد الأضحى لهذا العام بأشدِّ مشاعر الحزن والأسى على دماء وأشلاء أبنائها ونسائها وأطفالها, بعد أن ارتكب “طيران الاحتلال الروسي” مجزرة مروعة راح ضحيتها العشرات من أبناء المدينة بين شهيد وجريح ومفقود.
مجزرة مبيتة, ومقصودة لماذا؟!
لأنها استهدفت سوقا شعبيا مزدحما وسط مدينة إدلب, يقول أبناؤها أن الطائرة قصفت وبشكل متعمد ما يسميه أبناء المدينة “بسوق البلور”, وجاء توقيت المجزرة في مرحلة من المفروض أن تكون دقيقة وحساسة لأن الأطراف “الداعمة” للحل السياسي في سورية كانت تعد العدة لفرض هدنة لمدة 48 ساعة, سيتم تمديدها لمدة أطول في حال تمكنت من الصمود خلال الوقت المسموح به, فضلا عن تزامن حدوث المجزرة مع قدوم عيد الأضحى, حيث وقعت هذه المجزرة المروعة قبل إشراقة شمس العيد بيومين فقط!
حدثت المجزرة عندما قامت الطائرة التي يعتقد أنها روسية من طراز “سوخوي 34” باستهداف سوق الصاغة وسط المدينة بعدة صواريخ فراغية, حصدت أرواح العشرات من الضحايا الأبرياء وخلّفت دمارا واسعا وألحقت بالسوق خسائر مادية كبيرة أيضا, المهم أن المجزرة حدثت, ولكن الأهم من كل ذلك ما هي دلالتها؟.
كل مرحلة زمنية من عمر الثورة السورية, لها مجازرها وأحداث القتل الخاصة فيها, لا سيما وأن الطرف الذي يرعى المباحثات “الجانب الروسي” التي تُنتج الهدن في سورية هو الطرف المشارك للنظام بالقتل, بل هو الطرف القاتل في سورية إن لم نبالغ.
وعادة ما تعوَّد الشعب السوري في المناطق المحررة على قيام النظام والروس أيضا بارتكاب هذا النوع من المجازر البشعة بحقهم مع كل موعد لاتفاق تهدئة تتفق فيه الدولة الروسية الداعمة للنظام السوري مع الولايات المتحدة الأمريكية على شروط توقيعه بالشكل الذي يضمن كل النتائج الإيجابية التي تصب في صالحهم, المشكلة أن هذه المجازر المرتكبة تحمل رسائل سياسية للشعب السوري ثم دول المنطقة والعالم, بأن النظام السوري وداعميه مستمرون في سياسة فرض الحل بالقوة العسكرية عن طريق ارتكاب المجازر, وأن المجتمع الدولي بأكمله أصبح عاجزا عن توجيه مجرد اللوم والإدانة لتصرفاتهم غير المسؤولة, إضافة إلى التركيز على إظهار الموقف القوي “الوحشي” لهم المستند على أرضية صلبة أساسها التواطؤ الأميركي والدولي الصريح بالتماشي مع الرغبة الروسية الساعية لفرض النظام بالقوة وحمايته من المساءلة القانونية الدولية عن طريق التورط الروسي الكبير في سفك الدم السوري من أجل كسب مزايدات سياسية رخيصة أو لتوجيه رسائل سياسية تحذيرية موجهة لبقية الأطراف, كما حدث في إدلب اليوم الفائت.
أما بالنسبة للسوريين, فهم يدركون جيدا أن عيدهم القادم لن يكون بأفضل حال عن سابقه, فقد اعتادوا على توديع شهدائهم على مدار السنة كلِّها ومن ضمنها أيام العيد أيضا, رغم مزاعم النظام وحليفه الروسي بالتأكيد على الالتزام بكل هدنة يتم فرضها في العيد, لذلك سيبقى الحذر سائد الموقف لدى عموم السوريين في مختلف المناطق المحررة, وخصوصا بعد مشاهدتهم للصور المروعة والصادمة التي نشر بعضا منها الناشطون فور وقوع “مجزرة العيد” في إدلب.
ليست مدينة إدلب هي المدينة الوحيدة التي تعيش حالة الغربة والحزن على أبنائها من الشهداء, بل إن المدن السورية جميعا تعيش هذه الحالة منذ خمس سنوات وحتى الآن, وفي النهاية لا معنى لأي هدنة وتهدئة مع النظام وفق الشروط التي يفرضها “القاتل” في يوم العيد أو غيره من الأيام.. كما يقول السوريون.
المركز الصفي السوري-فادي أبو الجود.