“بدهم ياخدوا حلب بدل جنوب إدلب، الجسر وأريحا رح تتسلم”
“الأوامر إجت يفتحوا معركة شكلهم رح يسلموا إدلب للنظام وهي ذريعة”
“لا لا رح ناخد حلب وريفها هيك بدها تركيا”
حالة من التخبط والاضطراب اعتادها الشعب السوري بين الحين والآخر عند كل معركة سواء حصلت حقيقةً أم لم تحصلْ، تكثر التحليلات السياسية والسيناريوهات المروية، لكن لا أحد يعلم شيئًا على وجه الحقيقة، ما على الشعب إلّا انتظار مصيره الذي قُرر حاملًا ثقل الأفكار وقلق المستقبل.
ورغم تكرر هذه الحالة خلال سنوات الثورة، إلا أنها تترك آثارها السلبية على الأهالي، سواء آثار نفسية أو نزوح آخر نتيجة عدم الاستقرار والخوف من القادم.
يفرض الواقع عليك أن تتابع ما سيحصل فهو مصيرك ومصير عائلتك ومصير طفلك الأول الذي تنتظره!.
ليلة الأربعاء 27 تشرين الثاني (نوفمبر)، كنت أتحدث مع الأصدقاء على الواتساب حول هذه الأوضاع، وتباينت الآراء ما بين يائسٍ يتوقع الأسوأ، ومتفائلٍ يرتقب نصرًا يشفي الصدور ، سهرت مع قلقي طويلًا إلى أن غلبني النوم أخيرًا قبل انطلاقي للعمل، وفي فجر هذه الليلة خرجت لعملي، وبدأت أشاهد ما ينذر بالمعركة فعلًا ، آليات تقوم بإزالة المطبات على الطريق الشرياني في المحرر (إدلب ـ باب الهوى ) لتسهيل سير المركبات التابعة للثوار ، وتم تحويل الطريق لذهاب فقط وتوقف طريق الإياب ، حالة استنفار بدت واضحة وغريبة، وصلت حيث مكان عملي وسرعان ما قرأت خبر إرجاع الطلاب من المدارس وتعليق الدوام..
يا الله هل بدأت المعركة حقًّا!؟ ماذا ستكون النتيجة؟ ، بل ما هو الثمن الذي سندفعه بعد؟ ، هل سيبقى لنا ولو شبرٌ من الأرض نتنفس عليه دون الأسد ونظامه؟، أم سنظفر بحلب فعلاً؟، هل يعقل أننا نتداول فكرة تحرير حلب؟ المدينة التي تركت بها طفولتي ومراهقتي وبيتي وتاريخ كامل من الذكريات، حلب التي طالما كانت نقطة تحول مهمة في سير المعارك بسوريا.
وما بين هذا الخوف والقلق والترقب، يأتيك أمل خجول يدغدغ الرغبة بالنصر ويثيرها، ولاسيما أننا بدأنا نسمع بأخبار تحرير قرى ريف حلب، لكنّي سرعان ما أصرفه، فلا أريد أن أعيش خذلان 2012 و 2013 و 2016 عندما ترقبنا جميعًا تحرير حلب.
وقبل أن ترتب مشاعرك وأفكارك، وفي حين أنت تشرع بقراءة الواقع، حُررت حلب بالكامل، 29 تشرين الثاني (نوفمبر) كان الثوار يتجولون بها رافعين راية النصر! ، أي كلمات ستسعفني لأقول بما شعرت؟ ، أي نصر هذا الذي جاء ليحيي روح الثورة من جديد؟ ، أي سرعة هذه التي جعلت حلمًا بعيدًا واقعًا آني؟.
انقلبت الموازين لدى الجميع بوقت وجيز، وبعد شعور الضعف واليأس لوقت طويل، تجرأنا على أن نفرح ونحلم ونعتز بما جرى، لكن سير الأحداث كان أسرع من استيعابنا، بدأ الحديث عن تحرير حماه!.
وبينما كان الحلم أن نحرر من حماه ما قبل جبل “زين العابدين” لأنه عُرف كنقطة عسكرية منيعة للنظام وقوية، زفّ لنا الثوار خبر تحرير حماه، تلك المدينة التي عطش عاصيها للعيش دون الأسد باتت حرة، وسرعان ما لحقت بها حمص التي اشتاقت ثوارها، أيام لن ينساها الشعب السوري ما حيي، كان الخطر الوحيد عليه هو كثرة مشاعر الفرح والنشوة، كنا نكره النوم الذي يفصلنا عن سماع أخبار جديدة، وبقينا هكذا إلى أن جاء الخبر العظيم، الذي انتظره السوريون عشرات السنين، ودُفع لأجله ملايين الشهداء والمعتقلين، الثوار على أبواب دمشق، ودمشق دون الأسد، 8/12/2024 ، سقط طاغية الشام وفر هاربًا منها.
كان الأمر يفوق قدرة العقل على التصديق، لحجم معاناة السوريون وحجم الطاغية بشار، مثلما أن الشعب كان يصعب عليه استيعاب فكرة فناء حافظ الأب، هل حافظ شخص يموت؟ هل بشار شخص يسقط؟،
نصر من الله وفتح مبين، منّ الله على الشعب السوري بعد تعب طويل، وقدّر له أن يستلذ بالنصر، سوريا الحبيبة باتت بأحضان أبنائها.