“مصائب قوم عند قوم فوائد”، جلس أبو عامر على صخرة في حافة الطريق ولمعة عينيه الحزينتين تروي مواجع تعجز الكلمات عن وصف قساوتها، وتراه ينقل ناظريه مودعا مسقط رأسه في وادي بردى وشريط حياته مرّ في مخيلته يعرض له ذكريات ولحظات قضاها في ربوع الوادي النضرة.
لم يتوقع أبو عامر أن يغادر قريته “بسيمة” في يوم من الأيام، إلا أن النظام السوري أجبر أهالي المنطقة على مغادرتها بعد أن ارتكب بحقهم عشرات المجازر في عملية عسكرية ممنهجة تهدف لتهجير أهلها وترحيلهم للشمال السوري الذي أصبح مجمعا للمعارضة السورية.
ويأتي خروج مقاتلي وادي بردى برفقة عوائلهم وفقا لاتفاق مع النظام يقضي بخروج من رفض التسوية وتسليم نفسه لهم باتجاه محافظة ادلب، ودخول قوات النظام وميليشيا حزب الله المنطقة، ولعل الهدف وسياسة النظام باتت واضحة للجميع والتي تعتمد بالدرجة الأولى على تركيز جهوده العسكرية على منطقة تلو الأخرى إلى أن يستسلم أهلها ويقبلوا بشروطهم والوجهة دوما الشمال السوري.
وبينما يودّع أهالي بردى صباح اليوم الاثنين مدنهم وقراهم رغما عنهم فما من خيار آخر يمكنهم اتخاذه، ضجت المواقع الإعلامية التابعة للنظام فرحا بخروج الثوار منها، وكأنهم انتصروا نصرا ساحقا بعد معاناة مع انقطاع المياه عن دمشق وريفها، فبدأ مسؤولو النظام يقطعون الوعود بعودة الضخ من عين الفيجة خلال ساعات من دخول الورشات إليها نظرا لتضرر المضخات والنبع بشكل كبير، وقاموا أيضا بتحليل المياه وطمأنة الأهالي أن المياه غير ملوثة، علما أنهم كانوا سابقا يروجون لتعمد الثوار تلويث المياه بالوقود إلا أن مصالحهم حاليا تقتضي نفي هذا الخبر.
في حين يعيش موالو النظام في دمشق أسعد اللحظات بخروج من يسمونهم المسلحين، ظنا منهم أنهم السبب في أزمة المياه التي حلت عليهم وتسببت في معاناتهم، بينما الحقيقة عكس ذلك، فنبع الفيجة يعتبر المصدر الرئيسي لضخ المياه لدمشق وريفها، وانقطاعها عن العاصمة يعني انقطاعها عن الريف أيضا، والمسبب الأول في دمار المضخات غارات النظام وروسيا التي استهدفتها بشكل مباشر ولعل الصور التي بثت توضح ذلك دون شرح.
تقول زوجة أبو عامر في محاولة منها لمواساة زوجها قبل مغادرة قريتهم:” خليهم يشبعو مي ويفرحو وينبسطو بطلعتنا، نحن بإذن الله راجعين عالأرض الي سقيناها بدم شهداءنا، الحق مهما تأخر لا بد ما يظهر ولو بعد حين، مابعمرو الباطل انتصر”.
ومع خروج الدفعة الثانية من أهالي وادي بردى، يتساءل كثير من السوريين ترى ماهي وجهة النظام القادمة في عملياتها العسكرية الهادفة للتهجير؟، وماحدث اليوم على جبهات الميدعاني وحزرما في الغوطة الشرقية يجيب على تساؤلهم، فقد توعّد النظام وميليشيا حزب الله أن يكثفوا جهودهم فيها لترحيل أهلها كسابقتها دون رادع لهم، والعالم أجمع يتفرج على تلك الباصات التي تقلهم وجل مايقومون به التنديد والاستنكار والواقع أن النظام حقق مبتغاه.
المركز الصحفي السوري_ سماح الخالد