ريم ( 8 أعوام _ريف حماة)، تعمل بائعة لعلب المحارم بين الشوارع لتعيل عائلتها، لجأت لتركيا هربا من الموت والقصف المتواصل لبلدتها, لم يكن عمل ريم رفاهية أو إهمال تربية كما أخبرها بعض المارين بل كان لمساعدة أبيها في إطعام إخوتها الصغار.
تترك ظاهرة تشغيل الأطفال آثاراً سلبية تنعكس على المجتمع بشكل عام وعلى الأطفال السوريين بشكل خاص، فالحرب في سوريا جعلت الأطفال نتيجة تزايد حدة الفقر الذي يصيب الأسر يُزَجون _ رغبوا أم كرهوا_ في ميدان العمل.
وبحسب تقارير للأمم المتحدة فإن نحو 168 مليون طفل حول العالم أعمارهم بين 10 سنوات حتى 18 سنة يعملون، ويشارك 85 مليون منهم في أعمال خطرة، النسبة الأكبر من هؤلاء الأطفال في مناطق تشهد نزاعات مسلحة أو اضطرابات، وقدرت نسبة الأطفال السوريين العاملين بـ20% من إجمالي نسبة العاملين، مقارنة بـ10% قبل الثورة السورية.
يعمل والد ريم مساعد لعامل البناء وهذا يتطلب منه جهداً كبيرا وعملا يفوق قدراته وطاقته, وهذا ما جعل ريم تكمل دراستها فقط للصف الثاني لتكون قادرة على جمع مبلغ لا يتعدى المئة ليرة تركية .
ففي تقرير صدر عن نقابة اتحاد قطاع التعليم في تركيا أنّ نحو 450 ألف طفل سوري لاجئ في تركيا من إجمالي نحو مليون طفل هم خارج العملية التعليمية التربوية ، في حين يتلقى التعليم فقط نحو 54% من الأطفال.
فتكون المشاكل الناجمة عن عمالة الأطفال كثيرة منها نقص فرص الحصول على التعلم وتباطؤ نمو الطفل البدني والنفسي.
أما الطفل أسامة ( 13عاما – حماة ) فقد عمل في معامل متنوعة منها لتعبئة الخضروات ومعامل تغليف وكان وقت العمل من الثامنة صباحاً وحتى السادسة مساءً والأجر الذي أخذه يكفي لكي يعين أخاه الكبير, الذي بقي في سوريا مع زوجته وابنته, ففي ظل النزوح والفقر بالداخل السوري هو بحاجة مساعدة ولو قليلاً.
يقول أسامة, “بقيت أعمل لمدة سنة كاملة في إحدى المعامل لم أتذكر يوماً أني كنت سعيداً ولم أر من أرباب العمل إلا الضغط علي من أجل عدم التقصير.”
ووفقاً لاتفاقية (منظمة العمل الدولية) يمكن تصنيف عمل الأطفال السوريين، ضمن أسوأ وأقسى أشكال عمالة الأطفال، حيث تنص الاتفاقية على أن أسوأ أشكال عمالة الأطفال هو: أيّ عمل يضر بسلامتهم أو أخلاقهم أو صحتهم ويحرمهم من التعليم. وتنحسب أضرار ظاهرة عمل الأطفال على المجتمع برمته؛ لأنها تعيد إنتاج الفقر، وتحد من التنمية في المستقبل. ويترك عمل الأطفال في سن مبكرة تأثيرات سلبية على نموهم الجسدي النفسي والاجتماعي.
الأثار النفسية لعمالة الأطفال ومعالجتها
تقول الطبيبة النفسية نازك كردي والتي عملت مسبقاً بمخيم الإصلاحية ومديرة الوحدة الصحية النفسية بمخيم كيلس. “الطفل الذي يتعرض للعمل يكون عرضة لكثير من المفاسد حيث أن عمله دائما مع ناس أكبر منه سنا. ربما يكونوا لا يملكوا من الأخلاق والتربية الكاملة, ما يجعلنا ويجبرنا نترك لهم العناية بأطفالنا وترهبيهم. ولبيئة العمل أيضا انعكاسات سلبية فهي ليست سليمة ولا ملائمة لمستوى براءة الأطفال وقدراتهم, والعمالة تمنع الطفل من التعلم فانهماكه في أعمال متواصلة وقاسية كفيل بأن تؤثر على تطوره العملي وتنخفض قدراته ورغبته على القراءة والكتابة, وتنعدم قدرته على الإبداع والتفكير.
كل هذا يدمر نفسية الطفل وكذلك يجعله يبتعد عن التربية الصحيحة و نكون قد تجاهلنا رغبة الطفل بالعيش كما اقرانه, وقد تركنا بداخله بداية شرخ لن يلتئم, يبعده عن أقرانه بالمدرسة التي هجرها بسبب الفقر وحاجته للعمل, وأكدت الدكتورة على ضرورة أن نؤهل الأهل ونضعهم ضمن دائرة ما يحدث لذلك يجب العمل على برامج الدعم الاقتصادي وأهمية دعم حملات التوعية لخطورة عمل الأطفال.
ريم وأسامة حالتان من آلاف الحالات المشابهة منذ اندلاع الحرب بسوريا عام 2011 فالسوريون ما زالوا يأتون الى تركيا, حاملين معهم رغبتهم في العيش بأمان واستقرار حتى ولو لوقت قصير حالمين ومنتظرين يوم العودة. لم يعلموا أن لقسوة الحرب أشكالا كثيرة منها حرب الجوع, الحاجة والأصعب حرب محاربة الطفولة وكسرها باليد.
مجلة الحدث _ سناك ترك