خرج قائد الوحدات الكردية “سيبان حمو”عن صمته بعد التطورات الأخيرة على الحدود السورية – التركية بالقرب من منطقة عفرين ليرسل رسالة قد تبدو موجهة إلى الأطراف الدولية والإقليمية اللاعبة في الملف السوري مفادها:
“إن الإنتشار العسكري التركي في محيط عفرين وصل إلى مستوى إعلان الحرب”, وقد اتهم حكومة أنقرة بالإعداد لحملة عسكرية ضخمة ضد الوحدات الكردية التي تستولي على مناطق واسعة في شمال غربي سوريا, حيث كان نائب رئيس الوزراء التركي “نعمان قوردورمش” قد أعلن في وقت سابق أن الإستعدادات العسكرية التركية الأخيرة هي إجراءات مشروعة ضد أي تهديد من المليشيات الكردية في منطقة عفرين المتاخمة لمنطقة كلس التركية على الحدود.
تبادل التصريحات:
دخل الحديث عن مصير منطقة عفرين دائرة التصريحات, ليصبح على صفيح ساخن بعد سلسلة من التجاذبات السياسية والدبلوماسية بين الأطراف الفاعلة في سوريا, فالتصريحات الساخنة بين الأتراك والأكراد بدأت بحرب كلامية واضحة, قد تجر ما بعدها إلى ما أهو أبعد من ذلك.
التصريحات الكردية القلقة جاءت بعد معلومات عن نية الأتراك لشن عمليات عسكرية ضد قوات “سورية الديمقراطية” في عفرين ضمن إطار عملية عسكرية تحمل اسم “سيف الفرات”.
بدأت الحرب الكلامية, أو حرب التصريحات تأخذ طريقها لتصل إلى الواجهة عندما أرسل الرئيس التركي رسالة شديدة اللهجة إلى الوحدات الكردية متوعداً فيها برد عسكري عنيف ضد أي عمل تقوم به الوحدات من شأنه تهديد الأمن القومي التركي ووحدة الأراضي التركية, هذه التصريحات النارية دفعت قائد الوحدات الكردية “سيبان حمو” للرد على تهديدات الرئيس التركي عن طريق تصريح يحمل في طياته الإستغاثة من الحلفاء والمقربين أكثر من التهديد, فقد أعلن حمو أن “الحشود العسكرية التركية وصلت إلى مرحلة إعلان الحرب, وقد يفضي إلى اندلاع اشتباكات بين الطرفين خلال الأيام القليلة القادمة”, ليشير بأصابع الإتهام إلى نية الأتراك إخراج الوحدات الكردية المدعومة من واشنطن, من المناطق التي كانت قد استولت عليها في ريف حلب الشمالي قبل عامين من الزمن.
تركيا من جانبها عادت لتبدي نوعاً من المرونة مع الإبقاء على لغة التهديد, عندما أعلن رئيس الوزراء التركي أن الإستعدادات العسكرية التركية قرب عفرين ليست إعلان حالة حرب, ولكنها من أجل الرد على أي عمل عسكري محتمل قد تقوم به الوحدات الكردية ضد تركيا خلال الأيام القادمة, وان تركيا ستكون جاهزة في أي لحظة للرد على العدوان الكردي ضد تركيا من قبل الوحدات, لترد الوحدات الكردية بتصريح ناري آخر مفاده أن الوحدات الكردية لن تقف مكتوفة الأيدي ضد أي عمل عسكري تركي محتمل, معتمدين على المواقف السياسية الأمريكية السابقة التي كانت قد انحازت لطرف الأكراد على حساب الأتراك في معركة الرقة ضد تنظيم الدولة الإسلامية, والتي ابعدت فيها واشنطن أي دور للأتراك عن المعركة.
روسيا تستثمر:
تراقب روسيا التي تحتفظ بقاعدة عسكرية لها في منطقة كفرجنة في عفرين, جميع التصريحات السياسية والتطورات العسكرية على الأرض بين الأتراك والأكراد, وهي كعادتها دائما ما تستثمر المواقف العسكرية والسياسية لصالحها وصالح حلفائها على الأرض, وفي مقدمتهم النظام السوري, حيث سارعت إلى اللعب على حبل نية الاتراك بشن عملية ضد الوحدات الكردية شمال غربي حلب, لتمهل الوحدات الكردية ذات العلاقة الطيبة معها مهلة زمنية للأختيار بين تسليم عفرين لقوات النظام السوري, او تركها لملاقاة مصيرها في حرب مفتوحة مع الأتراك وفصائل الجيش الحر المدعومة من أنقرة.
ولكن اللافت للنظر ما أوردته صحيفة “أوترو” الروسية بأن وزير الدفاع الروسي “سيرغي شويغو” أبلغ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان موافقة الكريملين على بدء عملية عسكرية روسية تركية ضد الوحدات الكردية في عفرين, هذا الضوء الأخضر الذي منحته روسيا للأتراك قد يبدو فخاً كبيراً لإنزلاق تركيا في حرب مع الوحدات الكردية سيكون لها تداعياتها السياسية وربما العسكرية على العلاقات مع الولايات المتحدة الامريكية, في حين سيخرج النظام وروسيا بأقل الخسائر من خلال تأزم العلاقات بين واشنطن وأنقرة, وقد تبدو من ناحية أخرى بانها استثمار للأزمات وتسخير انسب للحسابات من خلال إعادة قوات النظام إلى بقعة كبيرة حساسة واستراتيجية في شمال غربي حلب, من شأنها التضييق على معقل تواجد الثوار الأكبر في إدلب المحاذية لمنطقة عفرين من الجهة الجنوبية وقطع الطريق على أنقرة للوصول إلى إدلب, وهذا ما ظهر جلياً خلال فشل اجتماع أستانة الأخير والذي لم تتوصل فيه الدول الضامنة إلى رسم خرائط جغرافية تحدد المناطق الآمنة او مناطق تخفيف التصعيد..
كل شيء متوقع, ولكن الواضح للعيان هو استثمار موسكو المتقن لتناقضات الصراع في سورية, وهذا ما ستكشفه الأيام القادمة.
المركز الصحفي السوري – حازم الحلبي.