الشرق القطرية
أسبوع مرّ على استهداف مروحيات إسرائيلية في منطقة القنيطرة لستة قياديين من حزب الله وضابط كبير في الحرس الثوري الإيراني. رغم عبارات التهديد والوعيد التي خرجت بها وسائل الإعلام التي تدور في فلك حزب الله وإيران، ورغم إعلان إسرائيل حال التأهب على حدودها مع لبنان وسوريا، إلا أن شيئاً لم يحصل، ومازالت الأسئلة تدور حول كيفية الرد وتوقيته ومكانه.
هي ليست المرة الأولى التي يبدو فيها حزب الله في موقف العاجز، فقد سبق أن هدد وتوعد السيد حسن نصر الله الأمين العام للحزب بالثأر لاغتيال إسرائيل القائد العسكري عماد مغنية، لكن سبع سنوات مرت والرد لم يحن أوانه بعد (!!).
العجز الذي يبدو عليه حزب الله ليس معتاداً ولا مألوفاً لدى جماهيره ومؤيديه، فقد جرت العادة تاريخياً أن يبادر الحزب للرد سريعاً على أي اعتداء يطاله من الجانب الإسرائيلي. واللبنانيون يذكرون أنه في العام 1992 تطلب الرد على اغتيال إسرائيل لعباس الموسوي الأمين العام السابق لحزب الله ساعات معدودة، كانت كافية كي تنطلق مئات صواريخ الكاتيوشا من الجانب اللبناني على المستوطنات الإسرائيلية الشمالية، وهي كانت المرة الأولى التي يستخدم فيها الحزب هذا النوع من الأسلحة.
الرد الصاروخي السريع لحزب الله حصل قبل ثلاثة وعشرين عاماً، في وقت كان فيه ميزان القوة يميل لصالح إسرائيل بشكل كبير. في حين أن قدرات الحزب العسكرية والبشرية والأمنية قطعت منذ ذلك الحين أشواطاً كبيرة، ويفترض أن يكون الحزب اليوم أكثر قدرة وراحة في الرد على أي اعتداء إسرائيلي، رغم ذلك يبدو الحزب مكبل اليدين. فقواعد اللعبة اختلفت، والمواجهة بينه وبين خصومه أخذت أشكالاً أخرى.
فتطور حزب الله لا يعني بالضرورة أنه بات أكثر قدرة على الرد والمواجهة. فالحزب الذي لطالما كان الفصيل اللبناني المقاوم الذي يسعى لتحرير الجنوب من الاحتلال الإسرائيلي، لم يعد التحرير أحد أهدافه بعد الانسحاب من لبنان عام 2000. فانتقل الحزب إلى مرحلة أخرى، وهي أن يحتفظ بسلاحه دون بقية اللبنانيين ودون إذنهم ورغم أنوفهم تحت راية الدفاع عنهم في مواجهة أي اعتداء محتمل من جانب إسرائيل.
وباتت صواريخ الحزب تتجاوز المستوطنات الإسرائيلية الشمالية، ويصل مداها إلى حيفا وما بعد حيفا وما بعد بعد حيفا. وقد أتحفنا حسن نصر الله في إطلالته الإعلامية التي سبقت الاعتداء على قيادييه في القنيطرة بيومين بالكشف عن أن يد حزب الله باتت تصل إلى ما بعد أصبع الجليل، وأن قدراته لم تعد محصورة بالسلاح البري.
كل ما سبق يعني من ناحية الشكل أن حزب الله بات أكثر قدرة في الرد على أي اعتداء إسرائيلي، لكن هذه الفرضية تصح إذا كان الحزب سيد نفسه وقراره، يسعى لتحقيق مصالحه ومصالح اللبنانيين.
لكن الواقع يشير إلى خلاف ذلك، فدور حزب الله بات يتخطى مواجهة إسرائيل بأشواط بعيدة، وصار لاعباً إقليمياً في المنطقة يتحرك بالنيابة عن إيران بشكل واضح وصريح، يسعى لتحقيق مصالحها ومصالح المحور الذي تقوده، سواء كانت هذه المصالح تتوافق مع مصالح لبنان أو تتعارض.
في الماضي كان أي قرار بالمواجهة مع إسرائيل تتخذه الدائرة القيادية الضيقة في حزب الله، أما اليوم، فإن أي قرار لابد أن يكون لطهران دور فيه، ولدمشق رأي فيه، ولبغداد مشورة فيه، وربما أيضاً لحركة أنصار الله اليمنية وجمعية الوفاق البحرينية، وأطراف أخرى لا نعلمها، الله يعلمها.
غَرَق حزب الله بالمصالح الإقليمية، ليس السبب الوحيد الذي يمنعه من الرد على استهداف كوادره في القنيطرة. ففي موازة التطور الكبير الذي أصاب الحزب، حصل تطور مماثل في قدرات إسرائيل. ولم يعد سراً أن الأخيرة نجحت في السنوات الماضية بإحباط معظم محاولات استهداف مصالحها في الخارج التي كان حزب الله خطط لها للثأر من اغتيال قائده العسكري عماد مغنية وآخرين.
نجاحات إسرائيل وصلت حدّ اختراق البنية التنظيمية والأمنية للحزب، وقد انكشفت مؤخراً عمالة أحد قيادييه الأمنيين الكبار لصالح إسرائيل، وربما لم يتكشف آخرون. كل هذا شوّه صورة البنية الحديدية التي كان يتفاخر بها حزب الله.
كل ما سبق لا يعني أن الحزب لن يسعى للرد على استهداف قيادييه في القنيطرة وما سبقها من استهدافات، لكنه يعني أن حسابات الرد لم تعد بالسهولة التي يعتقدها البعض، خاصة أن مزيداً من الإخفاقات من جانب الحزب ستنعكس سلباً على صورته التي بدأت بالاهتزاز لدى مناصريه، الذين طالما صدقوا ما يسمعونه على شاشة المنار والشاشات الحليفة لها من أن حزب الله قوة لا تقهر، وانخدعوا بجمل برّاقة أطلقها حسن نصر الله جعلت من إسرائيل أوهن من “بيت العنكبوت”.