لعل الغرابة واضحة في مطالبة محكمة العفو الدولية من نظام سلم شعبه للموت والقتل والدمار، ذاك ما يدعو للسذاجة؛ كون مطالبتها الجاني والقاتل بإدانة نفسه لا بل تطالبه بتحقيق مستقل وشفاف وصارم ناسية مقولة “فاقد الشيء لا يعطيه” ربما هي قلة الحيلة أو عدمها.
بضحكات السخرية والاستهزاء قابل “أبو رافع” (41 عاماً) أحد الناجين من سجن صيدنايا عام 2012 من ريف إدلب وهو يخبرنا عما عاناه من ظلم النظام وزبانية لا تعرف رفض الأوامر العسكرية، قائلاً “كيف لنظام متأصل بالقسوة والظلم ورثة الأب والعائلة في سلسلة ممنهجة من قمع وتغييب قسري وذاك واضح بمسيرة صفحة سوداء تفرض نفسها بقوة في تاريخ مدون بدماء المدنيين الأبرياء.. آه شعب ثار ضد الظلم فلم يجد سوى عالما متفرجا”.
حتى هذه اللحظة لم تستطع المحكمة جلب المتهمين إلى العدالة ليظهر السؤال المطروح للأذهان: هل السياسة تعلو القانون؟
عالم سجن “صيدنايا “ذاك السجن المرعب بجدرانه العالية وزبانيته الفارغة الرؤوس وأوامر مرؤوسيه التي لا تعرف الرحمة: فقط فرض سلطة زائفة وصيع مساجين لا حول لهم ولا قوة ليرتقوا بجرائمهم حدودا تفوق الوصف بحق البشرية جمعاء، تفوق القوي على الضعيف المقيد لتسلب منه الحياة قطرة قطرة في ظلمة أقبية فقدت كل شيء، حتى أنفاس الهواء فيها محسوبة.
أما الجديد المعلن لفظاعة ذاك السجن، فهو كشف تقرير أعدته منظمة العفو الدولية بعنوان “المسلخ البشري” حملة مروعة يقوم بها نظام بشار أولى قوامها، عمليات شنق جماعية وإبادة منهجية في ذاك السجن المخيف في ريف دمشق، منذ اندلاع الثورة السورية.
تتكشف الفظاعة يوماً بعد يوم حول عالم الموت والرعب في صيدنايا وثلاثة عشر ألفاً من السجناء جرى شنقهم ومن ثم دفنهم في مقابر جماعية منذ انطلاق الثورة السورية وحتى نهاية 2015 .
سنين طوال من عمر الثورة السورية تمتد بمزيد من الآلام والعذاب لسجناء وأبرياء خرجوا منادين بالحرية والكرامة؛ ليستقر بهم في زنازين تعلو فيها سنفونية الإعدام الجماعي، حيث كانت سنفونية تكسير الأعناق شنقاً الصوت المعتاد لمن بقي يشهد تفاصيل الإعدام ويترقب المصير ذاته يوماً ما.
على الرغم من تكشف حقائق الظلم وظهور صور تصدق التقارير وصمت دون السماح بلقاء محامٍ، إلا أن الزيارات العائلية التي تتم بصعوبة ولو تمت فهي مزيد من العذاب للسجين وأهله كما أكده شاهدنا “أبو رافع” في حديثنا معه.
إلا أنها تساهم في مصداقية وضع السجناء وتأكيد الفظاعات التي يرتكبها النظام بحقهم من أجل هيبة مزعومة وبقاء على السلطة.
أما السؤال المحير للسوريين عامة وللسجناء خاصة هل من يوم قريب لمحاكمة هؤلاء القتله؟!.
مع أمل يراود الشعب السوري ولا يفارقهم على الدوام يرفع “أبو رافع” يديه عالياً نحو السماء راجياً الله وبلسان الملح “اللهم فرج عن المعتقلين وأرحنا من الظالمين”.
المركز الصحفي السوري – بيان الأحمد