مع ازدياد الألم والمعاناة والخوف من طائرات الموت، يتفاقم خوف المدنيين المغلوب على أمرهم، أعيتهم حيل النزوح مع رفض كثير منهم الهجرة الخارجية، والنزوح الداخلي الذي لا يقل مأساوية، فكانت أشجار الزيتون التي زرعتها أيادي الأجداد، خيارهم الوحيد، وحضن الطبيعة التي منحها الله لأهالي مدينة إدلب الصامدين كصمود شجرتهم المباركة، جعلها ملجأً طبيعياً، يزيد من صبرهم وتمسكهم بالحياة.
تقول أم محمد من مدينة إدلب (35 عاماً) :”على الدوام كان أمل الحياة يلازمني بعد اعتقال زوجي على أحد حواجز النظام، وقررت أن أحمل عبء حياة مريرة، لأكون الأب والأم لأطفالي الصغار ممن لاحول لهم ولا قوة.. ليس الفراق أعظم مصيبة في الحياة.. بل أن تستمر في حياة بات عدم الخوف من الله أبرز سماتها.. وها أنا أفرّ بطفلي الرضيع من شجرة زيتون لأخرى بحثاً عن الأمان.”
منذ تحرير مدينة إدلب وخروجها عن السيطرة، بدأت معاناة الأهل فيها، من نزوح إلى نزوح، ورغم تقديم المساعدات للنازحين، إلا أن كثيرا منهم باتت خيامهم تحت شجر الزيتون.
يكشف أبو عمر (45 عاماً) من مدينة ادلب:” وقفت عاجزاً أمام نظام فقد كل معايير الإنسانية، ومع ضعفي وقل حيلتي، بأبوين كبيرين.. وإخوتي الأرامل والأطفال والخوف ملأ قلوبهم من هديل طائرات لا تحمل سوى الموت والألم.. آه رحمتك يا الله بأناس ترمي حمولتها إليك، وها أنا أفترش سيارتي مورد رزقي ورزق والدي المسن، آخر ما تبقى لدي للسعي بلقمة العيش المغمسة بالدماء.. وتحت أشجار الزيتون ندعو بقلوب منكسرة زوال الحملة الشرسة”.
وتحت أشجار مدينة تنزف حتى الموت، ترى نازحين للمرة الثانية والثالثة وربما أكثر، وجميعهم يبحثون عن الأمان.
بات ريف إدلب وإدلب المدينة هدفا لنيران نظام استعان بالطامعين بالبلاد، والفاقدين شرعية حقوق البشر، دون رادع وبصمت دولي ساعد على قتل المزيد من المدنيين الأبرياء الأكثر ضعفاً.
تدمدم أم محمد بصوت عالً “إلى متى ستبقى مدينتي تنزف؟!”
وتضيف “لن أيأس وسأصمد مع صغاري وأنتظر عودة زوجي، من أيدي نظام لا يرحم، فنحن نساء إدلب أصبحنا نشبه رجالها بالقوة والعزم وزادتنا المصائب والآلام.. قوة وصبراً.. وهاهم أبنائي يشيرون بأيدهم بعد نيل النصر.. إلى الحرية والخلاص من الألم والمعاناة.. فقط كن معنا يا لله”
المركز الصحفي السوري- بيان الأحمد