إن الكلام باسم الشعب في سوريا قد أصبح أسطوانة فاقدة أي صلاحية، وليس مشروخة فقط، وإن هذا النغم البائس الباهت كالطبل الفارغ صدّع أسماعنا ودوّخ الرؤوس. ولكن العجيب أنه – وبعد كل هذه البلايا والمصائب التي مني بها الشعب السوري المظلوم والمغدور من قبل عصابات ومافيات الإجرام التي لم تكن لها أي شرعية شعبية لا سياسيا ولا اجتماعيا خصوصا بعد تسلق الأسد الأب السفاح السلطة في البلاد. مع كل ذلك وبعد كل هذه المساخر والمخازي في الحرب السورية الحالية التي أوقدها ابنه الجزار بشار. حتى لم يغن عنه الجيش شيئا ولا تدخل إيران العسكري ولا عصابات الشبيحة والمليشيات الشيعية من كل صوب وحدب خصوصا ما يسمى “حزب الله” إلى أن غزا البلاد الدب الروسي بهمجيته الوحشية التي تعيد سيرة ستالين ولينين والقياصرة وسياسة الأرض المحروقة- كما فعل بالشياشان حصرا-، فإن كل هذه الهزائم المتلاحقة وإضاعة حكم البلاد وإزالة أي هيبة مصطنعة عند الأب والابن حتى بالصور الفوتوغرافية.. كل ذلك لم يمنع الأرنب الجبان من التصريح عقب استدعائه إلى موسكو أن الشعب السوري بأكمله هو الذي يريد المشاركة في تقرير مستقبل البلاد!، وكأن الناس بعد كل الذي حدث ليسوا إلا مجرد لعب أطفال يحركها كيف يشاء. إن هذا الطاغية المستبد لم يسمع أي كلمة وحكمة وحل لإصلاح البلاد مع أن تلك المطالب كانت في البداية جدَّ بسيطة متدرجة إلى رأب الصدع. فالشعب السوري كان سيقبل مرغما حتى ببشار الجزار لو كان استجاب لهذه المطالب المتواضعة ولكن غطرسة المتكبرين وطاعة الأسياد الصهاينة هي الأهم في طبعه سيَّما أنهم مازالوا يَعِدونه بأنه باق في السلطة. حتى إن نتنياهو حين قابل بوتن إبَّان الهجوم الروسي على سوريا قال له الأخير: اطمئن لا خوف على الأسد..! أجل لأنه ينفّذ جميع ما يطلبون بحذافيره كما كان وزير الخارجية الأمريكي الأسبق “كيسنجر” يؤكد ذلك بالنسبة للأسد الأب.. فهكذا الابن وهكذا “إن الله لا يصلح عمل المفسدين “يونس: 81. وكما قال الشاعر سعدي الشيرازي.
في البدء سدُّ العين سهلٌ بِحَجر فإن تفض لم تُبقِ للفيل مَمر
وعلى ذلك استمرت الثورة سلمية، ثم انتقلت إلى العسكرة بسبب إفراط اللانظام في الذبح والتدمير والاعتداء على شرف النساء وإرادة العزة بالإثم مهما حدث للجماهير.
بالظلم مَن أعلى بناءَ دولته يقلعْ من الأساس صرح عزتّه
بل يستمر هذا السفاح بثأره من الشعب وقد صرح بذلك أمام مسؤولين عرب، وتمر فصول مأساة هذا القرن كأفظع ما يمكن أن يتصوره العاقل بل الجاهل، وتلتقي أطياف الشر السياسي والطائفي المذهبي مع بعضها لتُطَوّق الأحرار والثوار في بلاد الشام، وتنقل الرئاسة السورية على موقعها في “تويتر” عن الأسد بل الأرنب الرعديد بعد لقائه بالثعلب بوتين: إن أي عمل عسكري يفترض أن تليه خطوت سياسية! آلآن وبعد أن غدوت غير مسيطر إلا على 17% من البلاد أصبحت تقبل بالحل السياسي. أي الحل الذي فرضه عليك ولي نعمتك بوتن حين استدعاك إلى روسيا للحفاظ على مصالحها في سورية ولا رضاء رغبة أمريكا المتناقضة التي لاشك أنها متفقة مع الدب الروسي ضمنيا على هذا الغزو لقد عرب بوتن أنك بعد أربع سنوات ونصف من الصراع لم تستطع أن تفعل شيئا ومع كل الداعمين وأظهرهم إيران. ونحن نقول: إنه لا يمكن بحال أن يقوم هذا السيناريو لولا المباركة الدولية الحقيقية له وإن بدا لفظيا وشكليا غير ذلك، فقد أصبحت تكتيكات الساسة مكشوفة ومفضوحة لدى الجميع. وحتى إن بعض البلاد العربية فقدت الاهتمام بالدين والغيرة، والنخوة والمروءة واصطفت مع الظالم ضد المظلوم بما عرف عنها من سكر الغفلة والتلاحم مع الأعداء ضد الإخوة والأصدقاء والشعوب التي أصبحت تصرخ على الدوام: من صديقي صرخت لا من عدوي!، ومن هنا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستعيذ من كيد العدو ومكر الصديق. وإن الأسد السفاح لا يمكن أن يجري إلا ضمن ما هو مرسوم له في الميدان وإذا كان ذلك بأن يغادر إلى روسيا لاجئا سياسيا ضمن صفقات التخلص منه. فسيتم ذلك وسيُعهَد إلى شخص آخر علوي أوسني أو مسيحي بشرط أن يكون – ولو بعد حين-. يفعل الأفاعيل بالشعب ورموزه ويعيد السيرة الأولى للطغاة. وإن بوجه آخر. ولكن الذي يَحلق على الناعم هو نفسه الذي يحلق على الخشن كما يقول المثل. وربما – لوجود معارضات فاعلة ووعي جديد – تتغير بعض الأمور. ولكن محور الشر المتمثل في إسرائيل وأمريكا وروسيا وإيران وأذنابهم خصوصا لن يقبل بغير ذلك حتى تبقى الهيمنة والاستعمار الحديث في الصدارة على العرب والمسلمين خصوصا في فلسطين وسورية ومصر والعراق تلك الدول المحاذية وربما المخيفة للصهاينة ولو مستقبلا.
إننا نؤكد أن روسيا وإيران طرفان غير موثوقين لنا أبداً كما هي إسرائيل وأمريكا تماما حتى لو أرادوا أي حل وبموافقات أممية ولكن لابد من التعامل مع الواقع بروح الحذر والإعداد والثورة التي انتقلت الآن إلى مرحلة المقاومة ولابد من انتصارها في النهاية إن شاء الله وهنا يجب ألا ننسى وصية محدث بلاد الشام العلامة بدر الدين الحسني – رحمه الله – أثناء الاحتلال الفرنسي لسورية حيث قال: إن حل جميع مشكلاتنا حالا ومستقبلا قد أشير إليه صريحا في آخر آية من سورة آل عمران وهي قوله تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) آل عمران: 200. قال العلامة الألوسي في تفسيره روح المعاني: أي اصبروا أكثر من عدوكم. وصابروا أكثر منه فإنه يصابر ضدكم. ورابطوا على الدوام حتى تقهروه وتوّجوا أحوالكم بالتقوى فستفلحون بإذن الله.
الشرق القطرية