رغم النفي أن قطر طلبت من قيادة حماس أو بعضها مغادرة أراضيها إلّا أن الظروف الحالية وبعد الحملة الشرسة التي تشن على قطر منذ زيارة ترامب إلى الجزيرة العربية وإسرائيل والتي تُوّجت اليوم وفي تمام الساعة الخامسة والنصف صباحاً في الذكرى الخمسين تماماً لنكسة حزيران بإعلان قطع العلاقات تجعل مسألة ترك قيادة حركة حماس أو بعضها لقطر شيئاً واقعياً ومتوقعاً. وهي ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها حركة حماس لظرفٍ مشابه ويجب أن الا يكون مفاجئاً لها، وهي التي أخرجت من الأردن لنفس الأسباب، وهي التي خرجت من سوريا وإن كانت الأسباب مختلفة ولكن الظروفٍ مشابهة، وبعض قياداتها خرج أيضاً من تركيا ومن مصر ومن السعودية ومن دول عربية واسلامية أخرى، أو أُخرج في سياقات مشابهة أو مختلفة، فمن المعقول جداً أن تخرج مراتٍ أخرى ومن أماكن أخرى! وقد تنحصر الخيارات أمام الحركة في عددٍ قليلٍ من الدول وقد يقل هذا العدد مستقبلًا، لكن لنفترض أن الخيار الأخير أمام قيادة حماس هو إيران وهي الدولة الوحيدة التي تمت تسميتها في مؤتمر الرياض إلى جانب حماس وبعض التنظيمات الأخرى كدولة إرهابية، وهي التي اعتبرها العاهل السعودي المصدر للإرهاب منذ ثورة الخميني وهي أيضاً التي تعلن دول الخليج عموماً عداءها لها وخوفها منها ولا سيّما الإمارات والسعودية فهل انتقال حماس إليها في صالح هذه الدول أم في صالح إيران؟!
وهل من يريد إضعاف إيران أو إضعاف محورها يلقي إليها بحركةٍ عربيةٍ سنيّةٍ بحجم حماس؛ تضرب جذورها وفروعها في كل شارعٍ وفي كل حيٍ عربيٍ وإسلامي؟
وإذا كان المقصود تقوية الصف العربي والخليجي تحديداً فهل إخراج حماس من هذا المعسكر وقطع العلاقات معها نهائياً سيقوي هذا الصف؟ فضلاً عن قطع العلاقات مع قطر وما سيترتب عليه ، فإذا كانت الولايات المتحدة التي لا تنقصها القوة ولا تخشى تقلبات الزمن حرصت على أن تكون حماس ضيفة عند بعض حلفائها طمعاً في التأثير عليها وحرصاً على عدم إلقائها في يد أعدائها فكيف بدول الخليج التي تتعرض لأعنف زلزال جيو سياسي في تاريخها تفرط بهذه الورقة وبهذا التهور ولصالح من تعتبره العدو الأول والخطر الإستراتيجي الأكبر عليها وهو إيران؟! فإذا كانت إيران قد أخذت العراق بعد حربٍ مدمّرة خاضتها الولايات المتحدة وحلفاؤها من العرب ،وأخذت سوريا بعد خذلان العرب لثورة الشعب السوري وأخذت اليمن بسبب تآمر دول عربية على ثورة شعبه فإنّ إيران ستأخذ حماس بهذه الطريقة وستأخذ جماهير حماس في كل البلاد العربية والإسلامية بعد أن خسرتها إيران بسبب موقفها من ثورة الشعب السوري المسلم ودول الخليج وبهذه الخطوة تهدي إيران هدية اكبر من هديتها لترامب فإن ما أخذه ترامب من أموال كانت ستبذل إيران أكثر منها لتحصل على حماس وجماهيرها العربية والإسلامية.
إذن فلا مصلحة عربية ولا إسلامية بإخراج حماس من حوضها ومحضنها العربي والإسلامي وما المصلحة في هذه الخطوة إلّا لإيران أو إسرائيل وهي العدو الأوحد والوحيد لحماس من وجهة نظر حماس على الأقل.
وإذا كانت دول الخليج ولا سيّما السعودية والإمارات ترى أن إيران عدوها اللدود فإن المنطق والبديهة يقولان بأن هذه الدول لن تتصرف بما يخدم مصلحة إيران، وعليه تبقى المصلحة لإسرائيل ولإسرائيل فقط، وإن كانت إسرائيل هي الرابح الأكبر من كل هذه العملية، فهل وصل الحال بهذه الدول إلى أن تتصرف وفقاً لمصالح إسرائيل حتى على حساب مصالحها هي؟!
وحتى لو كان الخيار الأصعب والوحيد أمام حماس – رغم أنه مستبعد -هو التوجه إلى منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية والقبول بالتسوية وشروط الرباعية ووضع رأسها في ربقة أوسلو أسوة بكل فصائل المنظمة وأنظمة (الاعتدال) العربي فهل هذا يخدم دول الخليج أم يخدم إسرائيل؟! وهل سيكون تسليم المقاومة لسلاحها في ظل تغوُّل اليمين الصهيوني والاستيطان وتهويد القدس تقويةً للموقف العربي والفلسطيني أم سيقوّي الموقف الصهيوني المتطرف؟!
إذن فإن أحمق الحماقات التي يمكن أن ترتكبها دول الخليج هي إخراج حركة حماس وقطع علاقاتها بها وهي بذلك تلقي بكل أوراق القوة لديها إلى أعدائها إيرانيين كانوا أو إسرائيليين، وإن كانت حماس لن تلقي بنفسها في حضن إيران ولا في حضن إسرائيل إلاّ أن المؤكد هو أن دول الخليج ستخسر ورقة قوة وثقلاً كان يرجّح كفّتها ولو قليلاً في ظل العواصف العاتية التي تضرب المنطقة منذ ستة أعوام على الأقل.
ترك برس