يستند جميل وصديقه على الحائط منتظرين دورهما لأخذ الخبز، في طابور طويل على أحد أفران مدينة دمشق، فقد اعتادا الوقوف يوميا قبل الذهاب إلى الوظيفة، “بدك تاكل خبز منيح ورخيص لازم تفيق من الخمسة الصبح” فالأفران الحكومية تعاني ازدحاما كبيرا وذلك بعد رفع سعر الخبز السياحي في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام للضعف.
في طابور الخبز تحكى الكثير من القصص وهموم الحياة، وأهمها الوضع الاقتصادي للبلد، وارتفاع الدولار فقد شهد في الفترة الأخيرة ارتفاعا كبيرا، وصل لأكثر من 550 ليرة، وكيف أن الدولار أثر في حياة الناس وخاصة الموظفون منهم، ” راتب الدولة بالليرة والسوق كلو ببيع بالدولار”، يتذمر جميل من صمت الدولة وعدم تدخلها للحد من الارتفاع الحاصل.
يحضر صديقه جريدة تشرين التي تصدر من دمشق، محاولةً منه إضاعة الوقت، فكثير من الأحيان يقف جميل وصديقه أكثر من ساعتين، ” خلينا نشوف اليوم الدولة دمرت كم وكر عصابة إرهابية ” يعلق ساخرا.. يقرأ جميل أحد العناوين التي تعبّر عن انتصارات الجيش في الشمال السوري، يخفض صوته ليهمس له،” لسّى بيكذبوا علينا.. البلد راحت وهنن من خمس سنين ع نفس الرواية”.
كثيرة هي الأحاديث الصباحية التي تحكى، منها مشاكل اجتماعية وحكايات ناس سافروا هربا من الحرب، فكل فترة تنتشر إشاعة قوية في دمشق بقرب اقتحام “جيش الإسلام” المتمركز في الغوطة الشرقية على مسافة قريبة من دمشق، فيغادر البلد كثير من الناس؛ خوفا من ردة فعل النظام، ” تحرر منطقة يعني دمارها وقتل كل من فيها كالعادة”، لكن جميل وصديقه لا يملكان المال للهرب كما فعل كثير أبناء سوريا.
في كثير من الأحيان يقوم عناصر الدفاع الوطني باقتحام الطابور “هدول ما بصير يوقفوا ع الدور؛ حماة الديار ما عندهم وقت للانتظار” يغضب جميل والكثير من الواقفين منهم، فهم بالعادة يثيرون الفوضى بالمكان، وأحيانا تحصل خلافات بينهم ليغلق الفرن دون حصولهم على الخبز، فلا يكون أمامهم سوى الخبز السياحي مرتفع التكلفة ليصل سعر الربطة الواحدة لـ200ليرة.
يعتبر جميل إحضار الخبز ” عملا إضافيا” مفروضا عليه، فكثير من المواد الغذائية يمكن الاستغناء عنها لأسباب عدة، فقدانها من الأسواق أو غلاؤها، لكن الخبز لا يمكن أن يستغني عنه أبدا فهي وجبة أساسية في اليوم، كما أن الأفران بالعادة لا تعطي أكثر من كيلو واحد من الخبز للشخص وذلك لتوزيع الخبز لأكبر عدد ممكن من المواطنين.
يعتبر جميل أن وقوفه لساعات طويلة منتظرا رغيف الخبز نوعا من إذلال المواطن، ليكرر كل يوم العبارة نفسها عند خروجه من المنزل ” الله يفرجها ويخلصنا من الظلم والظالمين”، فإلى متى سيبقى جميل منتظرا في طابور الخبز؟
المركز الصحفي السوري – أماني العلي