صحيفة حبر
في خضم الأوضاع التي تعيشها مدينة حلب, ورغم الواقع الصعب المفروض من قبل حرب لم تعرف نهايتها حتى الآن, والتي أثرت سلباً وبشكل أساسي على مفاصل الحياة الرئيسية كان لابد من أن تستمر الحياة, وعلى الجميع أن يتعايش معها مهما كانت.
التدريس هو أحد مفاصل الحياة الرئيسية, الذي نال نصيبه من الحرب, وذلك لأهميته البالغة, فهو الطريق الذي يرسم المستقبل, وحجر الأساس المعتمد عليه في إنشاء جيل قوي متسلحٍ بالعلم والمعرفة سليمٍ يمكن الاعتماد عليه في إدارة نفسه والقيام بواجبه تجاه وطنه، لكنه الآن يواجه الكثير من العقبات التي تحول دون ذلك, فهل التدريس في الوقت الحالي له مكانة في حياة الناس والطلاب؟ وهل له فائدته وأثره؟ وقبل كل ذلك هل المدرسون أنفسهم لهم الكفاءة الكاملة لحمل تلك المسؤولية؟ و هل هناك العدد الكافي من الكوادر التدريسية التي تغطي كل المدارس, وبنفس الوقت تكون جديرة بهذا العمل بحيث يمكن لها رفع المستوى التعليمي وانقاذه من التراجع دون التفكير بالراتب وجعل التدريس تجارة والشهادة سلعة يتم التفاوض عليها؟
أسئلة كثيرة تفرض نفسها ضمن هذا الموضوع نظرًا لأهميته، ومن هذا المنطلق قامت صحيفة “حبر الأسبوعية” بإجراء لقاءات عدة مع بعض القائمين على مؤسسات تعليمية, وطرح ذلك الموضوع لمعرفة كيفية انتقاء المدرسين وما هو المعيار والأساس المطلوب لتتم الموافقة عليهم.
إيمان أبو صالح مديرة الموارد البشرية لمؤسسة ارتقاء التعليمة: نحن نختار المدرسين وفق معيارين أساسين هما: التمكين العلمي, والخبرة, بالإضافة إلى السلوك والقدرة على ضبط الصف، والشهادة أمر ضروري, ولكن في نفس الوقت هناك البعض من المدرسين يكون لديهم شهادة بسيطة لكنهم يمتلكون خبرة وأداء أفضل وأقدر على التعامل مع الطلاب أي أن الشهادة ليس المعيار الوحيد.
أما أمر الراتب فلا ننكر بأنه عامل جذب للمدرسين, ولأي موظف سواء في مجال التعليم, أو غيره لكنه ليس العامل الوحيد فالعمل المريح والمنظم وتطور المدرسين عوامل جذب أساسية لكثير من المدرسين الذين يحترمون مهنتهم.
البعض أحياناً يقوم بالتدريس بسبب الحصول على راتب أكبر, بل هذا غالباً فلا أحد يريد أن يفوت فرصة الحصول على دخل إضافي خصوصاً هذه الأيام، وأحياناً أخرى يكون لسد الاحتياجات وهذا كثيراً ما نجده لدى التخصصات القليلة ومن المدرسيين المتمكنين لقلة المدرسين الأكفاء، وإعطاء دروس إضافية في مؤسسات أخرى ومدارس متعددة, فهذا أمر شائع من قبل الثورة وليس أمراً طارئاً.
أغلب المدارس والمدرسين لا ينهون المناهج المقررة في السنوات الماضية إما لتأخر استلام الكتب أو التأخر في بداية العام الدراسي أو بسبب الانقطاع المفاجئ والعُطلِ الإجبارية نتيجة للأوضاع الأمنية, ولكن هناك الكثير من المدرسين المخلصين يكثفون جهودهم حتى ينهوا مناهجهم.
أبو يزن مدير مؤسسة قبس للتربية والتعليم: نستطيع القول إن نسبة كبيرة من المدرسين أصبحوا يتعاملون مع التدريس كتجارة, وكما أجزم بأن معظمهم لا يفقه أساسيات التدريس, ولا يعرف معنى خطة دراسية, وهذا كله يسبب انخفاضًا في المستوى, ومشكلات أخرى لا حصر لها.
أغلب المدرسين في حلب المدينة هم ليسوا خريجي جامعات, وبعد ذلك نراهم في مسعى دائم لتغييب موضوع الشهادة محاولين إثبات نسبهم الثوري القديم, فالثورة قد أصبحت عندهم هي الشهادة الجامعية .
للأسف الشديد هناك بعض المؤسسات بدأت تستجذب المدرسين حسب الراتب وهي تتباهى بأن الراتب لديها أكبر بطريقة أقرب إلى الاحتكار وهو أمر ليس بجديد, فالمدراس الخاصة قبل الثورة كانت الرواتب فيها مختلفة عن رواتب مدارس وزارة التربية.
تقول الآنسة مريم من مدراس حلب المحررة: قد يكون أحد مشكلات التدريس في أكثر من مؤسسة هو قلة الراتب وخاصة لرب الأسرة, فهو في نهاية المطاف مسؤول عن تأمين الحاجات الأساسية لعائلته، ولكن السبب الرئيسي هو أن التدريس بات سهلاً لدرجة أن من يعرف القراءة والكتابة أصبح لديه القدرة على إعطاء الدروس, إضافة إلى عامل المعرفة والقرابة مع الكادر الإداري, وللأسف هذه الأمور سوف تكون نتائجها سلبية لهذا الجيل في فترة الحرب.
أنسة رهف من مدراس حلب المحررة: ربما تكون ظاهرة التدريس في أكثر من مدرسة ترجع إلى قلة العمل والحاجة إلى الراتب, أو لاحتياج المدارس إلى مدرسين خاصة ضمن اختصاصات نادرة, وذلك بسبب قلة الموارد البشرية. مع هذا فالمدرسون يعملون قدر المستطاع على إكساب الطلاب المعلومات التي تؤهلهم إلى الانتقال من مرحلة إلى أخرى آخذين بعين الاعتبار أن الطلاب أنفسهم هم بمستويات متفاوتة.
كلمة أخيرة : على الرغم من كل ما سبق يبقى تدريس طلابنا رغم الظروف المحيطة إنجازا بل انتصارا من انتصارات ثورتنا المباركة, ويبقى المدرسون الصامدون الذين آثروا البقاء على التولي وترك الطلاب للجهل رغم العديد من الفرص المتاحة لهم قدوة يقتدي بها جيل سورية المستقبل الباني بمشيئة الله.