لا شك في أن ترسانة النظام السوري الصاروخية كانت سنداً كبيراً له في معاركه ضد المعارضة، وساهمت باستعادته الكثير من المناطق التي سيطر عليها المعارضون، إذ اعتمد على سياسة الأرض المحروقة في استعادة أي منطقة يعجز عن ضمانها، والانتقام من المدنيين الدافع الأول، عبر تركيز القصف على أهداف مدنية بحتة.
ويكشف مركز حماة الإعلامي، من خلال دراسة اعتمدت على خبراء واختصاصيين عسكريين، عن “امتلاك النظام السوري ترسانة كبيرة من صواريخ أرض-أرض، تُقدَّر بعشرات الآلاف من الصواريخ التكتيكية، وبضعة آلاف من الصواريخ الباليستية، ذات المدى القصير والمتوسط”.
ويشير مدير المركز يزن شهداوي، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أن “العدد الأكبر من الصواريخ التي يعتمد عليها النظام في قصف أهداف المعارضة مصنّع محلياً في منشآت مراكز البحوث العلمية ومعامل الدفاع بمساعدات تقنية من كوريا الشمالية وإيران، إذ تقوم هذه المنشآت باستنساخ نماذج الصواريخ الكورية والإيرانية والروسية”.
”
شهداوي: سلاح الصواريخ يُعتبر سلاحاً مرناً من حيث قدرته على التنقل والتمركز والإطلاق”
ويلفت شهداوي نقلاً عن مصادر عسكرية لم يسمها، إلى أن سلاح الصواريخ يُعتبر “سلاحاً مرناً من حيث قدرته على التنقل والتمركز والإطلاق، ويحتاج إلى خدماتٍ ومرافق أقلّ بكثير مما يحتاجه سلاح الطيران مثلاً، ومعظم منصات إطلاق الصواريخ الحديثة محمولة على عرباتٍ مجهزة بكامل معدات وتجهيزات الإطلاق، وتحتاج إلى رافعة متوسطة للقيام بعملية إعادة التذخير، كما تحتاج غرفة قيادة وتحكّم تكون على شكل عربة مقطورة. وتزداد سهولةُ استخدام الصواريخ التي تستخدم الوقود الصلب عن مثيلاتها التي تستخدم الوقود السائل”.
ويؤكد المركز الإعلامي أن عملية تجهيز الصاروخ تحتاج للإطلاق إلى “طاقم متخصّص محدود العدد، ويتم الإطلاق بعد توجيه الصاروخ وتحديد إحداثيات مكان إطلاق الصاروخ وإحداثيات الهدف بدقة متناهية، وهذا ما يفسّر تمكّن النظام من إطلاق هذه الصواريخ من أيّ نقطة عسكرية ولو كانت مجهزة بالحد الأدنى من المعدات والتجهيزات، ويعتمد على طواقم موثوقة الانتماء والتوجّه”.
وتقدّر مصادر عسكرية، اشترطت عدم ذكر اسمها لـ”العربي الجديد”، “مدى الصواريخ الباليستية التي بحوزة النظام من 70 كيلومتراً بالنسبة إلى الطرازات القديمة من صواريخ “فروغ 7″، إلى 800 كيلومتر للصواريخ من طراز “سكود دي” المحدَّثة. وتُعتبر الصواريخ من طراز “إم 600” الأكثر استخداماً من قِبل قوات النظام، ويبلغ مدى هذا الطراز نحو 200 كيلومتر، ويُصنَّع محلياً تحت أسماء طرازات متعددة أشهرها:
صاروخ “تشرين” وهو نسخة عن صاروخ صيني، ويستعين النظام بالخبراء الإيرانيين لتصنيع وتطوير واختبار هذا النوع من الصواريخ. وهذا الصاروخ ذاته يُصنَّع في إيران تحت مسمى “صاروخ فاتح 110” ويعمل بالوقود الصلب، كما يحمل رأساً حربياً بزنة 500 كيلوغرام، ويحتاج ما يقارب خمس عشرة دقيقة لتجهيز إطلاقه. ومعظم الصواريخ التي طاولت بأثرها المدمّر المدن والبلدات السورية كانت من هذا الطراز، وذلك لتوفُّر أعداد كبيرة منه في مخازن مستودعات النظام العسكرية والأمنية، إضافةً إلى استخدامه الصواريخ التكتيكية قصيرة المدى ذات التسميات المختلفة (زلزال، خيبر، رعد، فجر، الفيل).
وتتمركز معظم التشكيلات القتالية المتخصِّصة بإطلاق الصواريخ الباليستية في منطقة ضيقة في سلسلة جبال القلمون الشرقية؛ وأشهر هذه التشكيلات، اللواء 155 جنوب بلدة القطيفة، واللواء 156 شمال بلدة الضمير، واللواء 159 قرب بلدتي الناصرية والرحيبة، بالإضافة إلى تشكيلاتٍ ومواقع عسكريةٍ أصغر في ريفي محافظة دمشق الجنوبي والغربي.
وتتميز مواقع هذه التشكيلات بأنها تقع في منطقةٍ جبليّة وعرة، وقد أقام النظام في هذه المواقع أعمالاً هندسية دفاعية (تحصينات)؛ وقام بحفر شبكات للأنفاق تصل بين نقاط الإطلاق ومراكز التخزين، غير أنَّ النظام السوري عمد مع بداية انطلاقة الثورة السورية إلى نقل قسم كبير من قوته الصاروخية إلى أماكن تُعرف بموالاتها له، ولا سيما محافظات الساحل السوري، وريفي محافظتي حماة وحمص الغربيين.
أماكن إطلاق الصواريخ بريف حماة الغربي
”
سياسة الأرض المحروقة كان لها فضل كبير بقلب الموازين في ريف حماة لمصلحة النظام
”
تمكنت قوات النظام السوري من قلب الموازين في ريف حماة، بعد سيطرة المعارضة السورية المسلحة على معظم أجزائه، وكان لسياسة الأرض المحروقة التي اتبعها العقيد سهيل الحسن الملقب بـ”النمر”، فضل كبير في ذلك، بما فيها القصف بصواريخ أرض أرض، كونها تقع على بعد عشرات الكيلومترات فقط من تلك المنطقة، حيث تتمركز أماكن قواعد إطلاق الصواريخ في ريف حماة الغربي، ممثلة بمجموعة من المواقع العسكرية استخدمها النظام حديثاً لتخزين وإطلاق الصواريخ باتجاه المناطق الثائرة عليه، وقد وثّق مركز حماة الإعلامي عدداً من هذه المواقع والقواعد:
1-الفوج 49 دفاع جوي: يقع هذا الفوج قرب قرية الحيلونة إلى الشمال من طريق مصياف-القدموس، ويحوي ما يزيد على خمس مناطق مجهزة لإطلاق الصواريخ، وهو في الأصل قاعدة دفاع جوي يحوي صواريخ مضادة للطائرات متوسطة وبعيدة المدى، ومُجهَّز بأنظمة رادارٍ حديثة نسبياً، ويغطي منطقة واسعة من المجال الجوي السوري.
وقد شهد هذا الفوج وعلى مدى مراحل الثورة السورية، حركة انشقاقات واسعة طاولت معظم العناصر من جنود وصف ضباط ممن ينتمون إلى المناطق الثائرة، والموجودون فيه حالياً هم عناصر تابعة للنظام وأبناء المناطق الموالية فقط، وقد تم رصد وتوثيق إطلاق صواريخ من هذا الموقع العسكري باتجاه مدن وبلدات المناطق الشرقية من سورية، وتحديداً باتجاه محافظة الرقة.
وتفيد بعض التسريبات الخاصة بوجود صواريخ أرض-أرض من طراز “فروغ 7” و”سكود سي”، وأعداد ليست بالقليلة من صواريخ “تشرين” طراز “إم 600”.
2-قاعدة جبل النبي متّى للدفاع الجوي: وتقع إلى الجنوب على الطريق الواصل بين مدينة مصياف وبلدة وادي العيون إلى الغرب تماماً من قرية بيرة الجرد، وهذه القاعدة هي عبارة عن كتيبة صواريخ م/ط استخدمت حديثاً كموقع لإطلاق صواريخ أرض-أرض؛ وتحوي موقعاً واحداً فقط للإطلاق. وجميع عناصر هذه القاعدة هم من أبناء القرى الموالية المحيطة بها أغلبهم من الطائفة العلويَّة.
3-موقع النبي صالح: أعلى قمة في المنطقة، فهي تُشرف على منطقة واسعة تشمل المنطقة الوسطى بالكامل. توجدُ في هذا الموقع نقطة عسكرية مخصصة لأنظمة الحرب الإلكترونية والتنصت، وقد لوحظ فيها وجود عربات ومنصات لإطلاق الصواريخ. وهذا الموقع يحوي محطة الإرسال التابعة لتلفزيون النظام الرسمي وتجهيزات مدنية إعلامية أخرى.
4-محطة رادار ظهر القصير: تقع إلى الجنوب من قرية كفرَّام، وهي في الأصل محطة رادار دفاع جوي صغيرة الحجم، كل العناصر العاملين في المحطة هم من أبناء القرى الموالية المحيطة بالمحطة أغلبهم من الطائفة العلوية.
وقد كان لهذه المحطة إضافةً إلى قاعدة النبي متى، دور كبير في إطلاق الصواريخ أخيراً على محافظتي حلب وإدلب، وخصوصاً أثناء قيام “جيش الفتح” بتحرير مدينة إدلب؛ ويُعتقد بأن الصاروخ الذي سقط بالقرب من قرية الريحانية على الحدود التركية السورية قد تمَّ إطلاقه من إحدى هاتين القاعدتين.
5-مركز البحوث العلمية في مصياف: يقع مبنى القيادة التابع له على الطريق العام مصياف-حماة، ويتألف من عدة أقسام، أهمها المعمل الواقع في قرية الزاوي (شمال مدينة مصياف بنحو 15 كيلومتراً)، ومستودع التسليح (شمال مبنى القيادة بنحو كيلومتر واحد).
ويتم في مركز البحوث العلمية، إنتاج الصواريخ قصيرة المدى، إضافة إلى تصنيع البراميل المتفجرة بإشراف خبراء إيرانيين. وقد سُجّلت حالات إطلاق لبعض الصواريخ قصيرة المدى من الأحراش الواقعة ضمن حرم المركز باتجاه الريف الحموي الذي تسيطر عليه المعارضة. ويُعتقد بأن إجراء عمليات الإطلاق هذه تمت بقصد التجريب والاختبار للصواريخ.
المصدر: العربي الجديد