” لاتقلقي يا أمي سأنزل لأملأ “بيدونة الماء” من المنهل إنني أستطيع حملها بمفردي”.
تلك كانت كلمات راما الأخيرة قبل أن يخطفها الموت هي ومن كان معها عند منهل الماء إثر غارة جوية نفذتها إحدى طائرات النظام على مدينة ادلب عقب تحريرها بشهرين من قوات النظام.
رغم صغر سنها وبراءتها إلا أنها تمثل جيلا بأكمله تحمل أعباء إضافية لاتتناسب مع طفولته والتي حاول النظام السوري بشتى الوسائل محاربتها ليكبروا قبل أوانهم.
لم تكن راما ذات العشرة أعوام تعلم أنها ستكون ضحية في لعبة الكبار جراء تحملها مسؤولية تأمين مياه للشرب وللاستخدام اليومي لعائلتها بعد أن فقدت والدها في سجون قوات النظام، حيث خلفت الحرب في سورية أزمات عدة ودمارا كبيرا في معظم الخدمات ولعل أزمة المياه أشدها وطأة على حياة السوريين في مختلف أنحاء سوريا.
خلفت أزمة المياه أعباء مادية جديدةعلى المواطنين وعملا جديدا امتهنه صاحبو صهاريج المياه في ظل الانقطاع الدائم لها ” فرب ضارة نافعة” إذ بات وجودها أمرا ملحا وضروريا لتلبية حاجاتهم اليومية، فلايكاد يخلو شارع من وجودها بسبب زيادة الطلب عليها، كون عملية ضخ المياه للمنازل تتطلب كمية كبيرة من الكهرباء التي أضحت شبه معدومة في مختلف مناطق سورية، بالإضافة لتعرض معظم المضخات للتخريب نتيجة القصف العشوائي وعدم وجود إمكانيات لاستبدالها وبالأخص في المناطق المحررة.
أبو هاني من مدينة ادلب يقول:” كان لدي ورشة لتصليح المكيفات وسخانات المياه، ونظرا لانعدام الكهرباء بقيت بلا عمل، فقمت بتفصيل خزان ماء يتسع ل4 آلاف ليتر ووضعته على سيارتي”سوزكي” فأصبحت أملأ الخزان من أحد الآبار وأبيع الماء لمن يطلبني والحمدلله بات هذا العمل مصدر رزقي ريثما تفرج على بلدنا وأعود لعملي السابق”.
لم يكن أبوهاني الوحيد الذي امتهن هذا العمل بل قام كل من يمتلك “صهريجا” للمحروقات بتنظيفه وتحويله لتعبئة المياه كون الطلب عليها أكثر من سابقتها، مما تسبب بانتشار العديد من الأمراض الجلدية كاللاشمانيا والفطور والجدري وغيرها في ظل انعدام الرقابة على عمل صاحبي الصهاريج سواء في مناطق النظام أو في المناطق المحررة.
أم باسل من مدينة حلب تقول:” منزلي في الطابق الخامس وحتى وإن قاموا بضخها للمنازل تحتاج لمضخة لتصل للخزان، وكل أسبوع أحتاج لتعبئة ألفي ليتر وهنا تكمن المشكلة فأصحاب الصهاريج في المدينة يستغلون حاجة المواطن فيجب أن أتفق معه قبل يومين ليأتيني الدور و ثمن الألف ليتر2000 ليرة وبذلك أدفع4آلاف فقط للماء وهي أساس الحياة لانستطيع الاستغناء عنها”.
واقع السوريين المعيشي يزداد سوءا يوما بعد يوم وجل مايقوم به النظام السوري إلقاء اللوم على مايسميهم بالإرهابيين في وقت تم احتكار جميع “صهاريج” مؤسسات الدولة لخدمة قواته ومواليه ليكون الشعب السوري المتضرر الوحيد من معادلة لم يجزم أحد حتى الآن لأي كفة ستميل.
سماح خالد