المعتقلون جرحٌ غائرٌ ومطلبٌ متعثر، بحّت أصوات المطالبين بتحريرهم، وفشل السياسيّون في تحقيقه. لم تستطع الأمم المتحدة، ولا أيّ منظمةٍ دوليةٍ أو محلية، الضغط على نظام الأسد للإفراج عن المعتقلين، إلا ما أُرغم عليه بالقوة عبر عمليات التبادل التي كانت ولا تزال طوق النجاة الوحيد!
مكتب شؤون الأسرى، التابع لحركة أحرار الشام الإسلامية، أحدُ أبرز هيئات التفاوض التي نجحت في إطلاق عددٍ من المعتقلين لدى النظام. يعدّ هذا المكتب أحد المكاتب الرئيسيّة في الحركة منذ تأسيسها. ويقوم باستلام قوائم أسرى المعارك التي تخوضها الحركة لتتمّ مبادلتهم بمعتقلين لدى النظام بشكلٍ رئيسيّ، بعد أرشفة أسمائهم وفرزها حسب الأهمية من حيث الرتبة العسكرية أو الجنسيّة، خصوصاً بعد دخول ميليشياتٍ أجنبيةٍ على خط القتال إلى جانب قوات الأسد، أو كبديلٍ مباشرٍ عنها في بعض الأحيان. وللوقوف أكثر على طبيعة عمل هذا المكتب ودوره التقت «عين المدينة» في هذا العدد «الفاروق أحرار» مسؤول مكتب شؤون الأسرى في الحركة.
يقول الفاروق بدايةً إن المكتب يتألف من كادرٍ يعمل بشكلٍ مستقلٍّ عن بقيّة مكاتب الحركة، إلاّ أنه يتبع القيادة العليا، ولا تتمّ أيّ عمليّةٍ دون تنسيقٍ وتشاورٍ مباشرٍ معها. ويشمل عمله جميع صفقات التبادل الداخلية والخارجيّة.
ما هي طبيعة المعتقلين لديكم؟ وهل تنسقون مع غيركم من الفصائل؟
معظم الأسرى لدينا أسرى حرب، إضافةً إلى معتقلين من خلايا النظام وداعش و«قوات سورية الديمقراطية» كانوا ينشطون في المناطق المحرّرة للقيام بعمليّات تجسّسٍ واغتيالات. وبالطّبع فإن لكلّ صفقةٍ طبيعةً تختلف عن الأخرى، من حيث عدد الأسرى والمقابل الذي نقدّمه تبعاً لأهميتهم. وأشير إلى أن مكتبنا محلّ ثقةٍ لدى الفصائل الأخرى؛ إذ ننسّق معهم لنشمل الأسرى لديهم في عمليات التبادل، حتى أن العديد من الصفقات الخاصة بهم تمت بالتنسيق معنا.
من يمثل النظام في المفاوضات؟
هناك أشخاصٌ مكلّفون بمهام التفاوض بشكلٍ رسميّ من قبل النظام، إلا أنّ بعض الشخصيات المتنفّذة عنده والسّماسرة يشكّلون دوراً مهماً في عمليات التفاوض. وبدورنا نقوم بالتواصل معهم بشكلٍ مباشرٍ لإنجاح الصفقات.
هل تتقاضى الحركة مقابلاً من الأسرى المحرّرين؟
لا تأخذ «أحرار الشام» أيّ مقابلٍ من ذوي المعتقلين أو الأسرى (أكد أسرى محرّرون لـ«عين المدينة» أيضاً عدم دفعهم أيّ مبلغٍ لقاء تحريرهم) بل إننا ندفع تكاليف صفقات التبادل. وللأسف لا يتمّ معظمها إلا بعد دفع أموالٍ طائلةٍ لمرتزقة النظام والسّماسرة، الذين لا يعبأون ولا يعملون قبل ملء جيوبهم، بل إننا نضطرّ في بعض الأحيان إلى الدفع مقابل تسريع العملية أيضاً.
كيف يتمّ تأمين سلامة الأسرى؟ وهل تلتزمون بالاتفاقيات الدولية حيالهم؟
نبذل كل إمكانياتنا لتأمين الأسرى لدينا والحفاظ على حياتهم في أماكن بعيدةٍ عن القصف، إلا أننا نجد صعوبةً في هذا الأمر، فالمجرم الذي يقصف المستشفيات والأسواق والمناطق السكنيّة لن يتوانى عن استهداف السجون والمساجين، حتى لو كانوا عناصره!
حقوق الأسرى مصونةٌ لدينا، ونستمدّها من شرعنا الحنيف الذي يفرض علينا حسن معاملتهم، قبل أن تنصّ على ذلك المواثيق الدولية «الورقيّة». ولم نجعل من المعتقلين ورقة ضغطٍ على الإطلاق، فالمسألة بالنسبة إلينا مسألةٌ إنسانيةٌ بحتة.
آخر صفقات التبادل
قبل نحو شهرٍ نجح مكتب الأسرى في تحرير سيّدتَيْن سوريّتين، إحداهما نجلاء جزماتي التي كانت قد اعتُقلت مع أختها نور مطلع الاحتجاجات في مظاهرة باب الحديد الشهيرة بحلب وأفرج عنهما بعد أيّامٍ حينها. وجاء تحريرها الأخير بعد أحد عشر شهراً على اعتقال الأمن العسكريّ لها من مناطق سيطرة النظام في حلب، بهدف ابتزاز الثوار وتحرير أسرى لدى «أحرار الشام» على وجه الخصوص.
استغرقت عملية التبادل -حسب رئيس المكتب- أكثر من ستة أشهر، رغم الموافقة عليها من طرف النظام الذي راوغ وماطل في العملية. ويضيف: ذهبنا إلى مكان التسليم المتّفق عليه أكثر من 5 مرّاتٍ دون نتيجة.
تحدّثت بعض الأنباء عن إطلاق حركة أحرار الشام ضابطاً برتبةٍ رفيعة المستوى في هذا التبادل إلا أنّ الفاروق نفى بشدة، مؤكداً أن ما أورده مكتب الأسرى -في تقريرٍ حول العمليّة– يشير بوضوحٍ إلى أنّ الصفقة تمّت بإطلاق سراح مجنّدَيْن أسرتهما الحركة في المعارك، أمضى أحدهما أكثر من عامٍ في سجونها، في حين تجاوز الآخر عامه الرابع!
الفاروق أحرار