في هذه الأيام التي تركز فيها الاهتمام التركي على السياسة الداخلية للبلاد، تعيش سوريا أيام عصيبة وتطورات مهمة من شأنها أن تؤثر على مستقبل القضية السورية. ولهذا السبب وبلا شك أن الالتفات إلى الجوار ومتابعة المنطقة يعود بالفائدة على الجميع، خصوصا أن التطورات العسكرية والسياسية والإنسانية في سوريا تؤثر على تركيا بشكل مباشر.
فبعد ممارسة كل من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا ضغوطا حثيثة لوقف إطلاق النار في حلب تمكنتا من إجبار أطراف الصراع على قبول الهدنة ووقف إطلاق النار، هذه التطورات ووقف إطلاق النار هذا يمكن استغلاله ليشكل نقطة بداية جديدة لمواصلة محاورات جنيف المتعثرة.
تطورات المنطقة الأخيرة تفسح المجال للحديث عن تغيرات في الموقف الأمريكي والروسي من القضية السورية، فروسيا تزداد في رأسها الشبهات حول إمكانية حماية نظام الأسد الذي تدعمه سياسيا وعسكريا لقواعدها العسكرية التي تنوي إنشاءها في مختلف المناطق السورية، خصوصا أن روسيا تملك من الخبرة العسكرية والتجربة السياسية ما يكفيها لتقدير وتخمين أن أي فوائد ستجنيها في المنطقة بحاجة لنظام حماية لن تحصل عليها إلا من خلال الاتفاقيات والمفاوضات. وما وقف إطلاق النار في حلب إلا نقطة بداية من شأنها أن تنفخ الروح في مثل هذه الأفكار والتوجهات الروسية.
لا شك أن الولايات المتحدة الأمريكية كان لها دور مهم في التغيرات التي طرأت على الموقف الروسي. وقد تكون الولايات المتحدة أوحت للروس ضرورة الانسحاب من هذه الحرب التي بدأت ولم تنتهي كما أنها قد تكون أشارت على الروس بضرورة إنشاء “منطقة أمنة أو منطقة حظر طيران” الأمر الذي دفع إلى التغيير في الموقف الروسي.
من جانب آخر، إغفال الولايات المتحدة للجانب الإنساني في الحرب السورية المستمرة وتركيز واشنطن على محاربة داعش وإرهابها سبب للقلق وعدم الارتياح عند الدول الأوروبية المضطربة أصلا من الحرب السورية. خصوصا أن المعارك المستمرة في منطقة حلب سببت تدفقًا مستمرًا لللاجئين السوريين وما يحملونه معهم من دراما وحزن.
أضف لذلك أن الجهود المبذولة في قتال داعش في العراق وسوريا ومحاولات التغلب عليها عسكريا تواجه كل يوم عراقيل جديدة. فمن جهة عدم الاستقرار والاختلاس والفساد الإدراي المستمر والتدخلات الإيرانية المتزايدة وعدم تشكيل حكومة في العراق يقتل الأمل في نجاح الحملات الموجهة ضد داعش على الجبهة العراقية. ومن جهة أخرى اتفاق الولايات المتحدة مع (حزب العمال الكردستاني/ حزب الاتحاد الديمقراطي) في سوريا يتسبب هو الآخر بمشكلات وأزمات ما تزال خفية. فاختيار عناصر (حزب العمال الكردستاني/ حزب الاتحاد الديمقراطي) للقتال في المناطق الآهلة بالعرب السنة لا يبدو أنه خيار صحيح، أضف لذلك أن العلاقات التي تجمع (حزب العمال الكردستاني/ حزب الاتحاد الديمقراطي) مع نظام الأسد وقرب هذا الحزب من الروس يزعزع الثقة فيه. ومع مرور الأيام سيكون من الصعب تعويض تركيا عن المشاكل التي يسببها لها العناصر الإرهابية التابعة لـ(حزب العمال الكردستاني/ حزب الاتحاد الديمقراطي) الذين تلقوا التدريب والسلاح الأمريكيين وعلاوة على ذلك تبقى قدرة عناصر (حزب العمال الكردستاني/ حزب الاتحاد الديمقراطي) على التخلص من داعش وإخراجهم من المناطق التي يسيطرون عليها سؤالا يبحث عن إجابة.
القذائف الصاروخية التي تصيب الطرف التركي والتي تخرج من الجبهة السورية تشير إلى ضرورة اتباع استراتيجيات جديدة. تغير الحكومة في مثل هذه الفترة الحساسة يجب أن يكون فرصة لتغيرات في الاستراتيجيات التركية المتبعة في المنطقة.
– صحيفة ملييت – ترجمة وتحرير ترك برس