في تقرير لكريستينا لامب، مراسلة الشؤون الخارجية البارزة في صحيفة “صاندي تايمز” قالت فيه إن عمليات الإغلاق أدت إلى وباء من الاضطهاد حول العالم، فقد استخدم الحكام المستبدون كوفيد-19 كوسيلة لملاحقة المعارضين وتأجيل الانتخابات وأكثر من هذا.
وقالت فيه إن النائب الأوغندي المعارض فرانسيس زاكي، كان يوزع الطعام على الجوعى في منطقته الانتخابية، والذين باتوا من دون طعام بسبب الإغلاق الذي فرضته الحكومة لمكافحة فيروس كورونا عندما جاءت الشرطة تبحث عنه.
ومثل بقية القادة السياسيين حول العالم، فرض يوري موسيفيني الذي يحكم أوغندا منذ 34 عاما حالة إغلاق ولكن بفارق أنه وضع عقوبة على أي سياسي يقبض عليه وهو يوزع الطعام وتوجه إلى تهمة القتل.
وينتمي زاكي إلى حزب “قوة الشعب” الذي يقوده الموسيقي بوبي واين والذي بات يمثل تهديدا على موسيفيني وحكمه المستبد. وتم ضرب النائب بشكل أدى لنقله إلى المستشفى.
ويقول واين الذي زاره “تم تعذيبه لمدة تسعة أيام حتى الموت”، و”وجهه مصاب بالكدمات ولا يستطيع الرؤية فيما ظهرت قطع من اللحم على صدره وكأن شخصا حاول نزعها بشوكة”.
وأضاف: “تعيش أوغندا وسط ديكتاتوريين يحاولون استخدام فيروس كورونا ضد المعارضة”.
واكتشف قادة العالم من بوليفيا إلى الفلبين وتركيا وكمبوديا، أن الوباء الكبير يقدم لهم مبررا مثاليا لتوسيع سلطاتهم وإسكات المعارضة وسجن الصحافيين وفرض الرقابة وتأجيل انتخابات لا يريدونها. وتقول الناشطة في مجال حقوق الإنسان بدولة توغو التي تحكمها عائلة واحدة منذ 59 عاما، فريدا نابوريما: “يحب الديكتاتوريون الإغلاق العام”. وأضافت أن الإنجازات الصغيرة في مجال الحقوق المدنية التي تم اكتسابها خلال كفاح عقود “مسحت بشكل كامل” و”عاد الجنود إلى الشوارع والناجون أظهروا التزاما بأوامر الرئيس (فور) غناسنجبي”.
وفرضت 80 دولة قوانين طوارئ ونشرت “فرسان الكورونا” لاعتقال وسجن آلاف الناس باستخدام قوة قاتلة في معظم الأحيان.
وقال نيت شينكان، مدير البحث الخاص في “فريدم هاوس”: “نشاهد في بعض البلدان وفيات نتيجة لوحشية الشرطة أكثر من وفيات فيروس كورونا”.
وتعتبر الفلبين في مقدمة الدول التي اعتقلت أكثر من 30 ألف شخص بسبب انتهاك قوانين حظر التجوال. وكشفت صور صادمة عن تجميع المعتقلين الذين خرقوا حظر التجوال في أقفاص الكلاب، فيما تم وضع عدد آخر منهم في الأكفان حسب منظمة “هيومان رايتس ووتش”.
وأمر رودريغو دوتيرتي، الرئيس المعروف بسياسة إطلاق النار على تجار المخدرات وقتلهم، الشرطةَ باستخدام نفس السياسة ضد خارقي حظر التجوال في حال قاوموا الاعتقال.
وفي بوليفيا انشغلت حكومة جينين أنيز في اعتقال المعارضين عبر استخدام تطبيق “الشرطة الإلكترونية” الذي أطلقته وزارة الداخلية. وأصدرت أمرا رئاسيا جديدا وهو “الجريمة ضد الصحة العامة” ويوجه ضد أي شخص يقوم بنشر معلومات مضللة أثناء انتشار وباء فيروس كورونا بعقوبة 10 أعوام في السجن. وأعلنت الحكومة قبل اسبوعين عن اعتقال 67 “لاعبا سياسيا” بناء على القانون تمت إدانة 37 منهم بشكل سريع.
وفي الهند اعتقلت السلطات هناك طلابا وصحافيين احتجوا ضد قانون المواطنة المثير للجدل الذي أعلنته الحكومة بداية هذا العام، بالإضافة إلى الأكاديمي أناند تيلتمبد المعروف بنقده لسياسات ناريندرا مودي، رئيس الوزراء.
ويعاني تيلتمبد البالغ من العمر 71 عاما من الربو، مما دعا البعض لوصف اعتقاله بأنه “حكم بالإعدام” وتساءلت زوجته عن السبب الذي يدعو الحكومة إلى اعتقال الناشطين، في وقت تحاول فيه تخفيف ازدحام السجون.
وقالت باحثة شؤون وسط آسيا في منظمة أمنستي، هيذر ماكجيل: “من السلطات في قازخستان بإقفال أبواب البيوت لنصب فخ للمعارضين إلى الشرطة الشيشانية التي تقوم بضرب السكان لعدم ارتدائهم الأقنعة الواقية، تتعامل السلطات مع الوباء الكبير على أنه فرصة للدوس على حقوق الإنسان”.
ووصل عدد ضحايا فيروس كورونا حول العالم إلى أكثر من 240 ألفاً وأدت حالة الإغلاق إلى وقف الحياة اليومية في معظم المدن من لندن إلى نيويورك والتي تم التركيز فيها على آثار الوباء الإقتصادية، إلا أن هناك إدراكا الآن حول تداعيات سياسية فادحة للوباء.
ويقول شينكان من “فريدم هاوس”: “نحن قلقون من تحفيز الإجراءات التي اتخذت حالة من الركود الديمقراطي حول العالم” و”حتى قبل هذه الأزمة شاهدنا تراجعا في الديمقراطية خلال السنوات الـ14 الماضية، ويمكن أن يتفاقم هذا الوضع”.
وأشار إلى مظاهر قلق في فنزويلا وتركيا وروسيا وهنغاريا، مضيفا أن الخطوات الضرورية للصحة العامة مثل منع التجمعات العامة هي مقنعة للذين يحاولون قمع المعارضة. وقال شينكان إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان انتهز الفرصة لاعتقال المعارضين وحرمان المعارضة من التمويل وأعلن عن تطبيق لمراقبة الناس أثناء الحظر الصحي ولحصد المعلومات الشخصية التي يمكن أن تستخدم بطرق أخرى.
وفي هنغاريا، استخدم الرئيس فيكتور أوربان الوباء كمبرر لاستصدار قوانين تمكنه من الحكم من خلال المراسيم، مما أدى لاستكمال تحويل البلاد إلى ديكتاتورية منتخبة.
وكانت هنغاريا واحدة من 15 دولة وردت في قائمة المفوضة الأممية لحقوق الإنسان، ميشيل باشليه والتي تدعو للقلق. وحذرت الأسبوع الماضي: “يجب ألا تكون قوانين الطوارئ سلاحا ترفعه الحكومة لسحق المعارضة والسيطرة على السكان أو تمديد مدة بقائهم في السلطة”.
أما بقية الدول التي وردت في القائمة فهي نيجيريا وكينيا وجنوب أفريقيا والفلبين والسلفادور وجمهورية الدومينكان وهندوراس والأردن والمغرب وكمبوديا وأوزبكستان وإيران.
ولكن جورجيت غاغنون، مسؤولة العمليات الميدانية في مكتب حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، قالت إن هناك عددا من الدول التي يمكن إضافتها.
وهناك دول تحاول استخدام الوباء كذريعة لتأخير الانتخابات كما في بوليفيا، أو المضي في عقدها بحيث لا تستطيع المعارضة القيام بحملات انتخابية كما في كمبوديا.
واستخدم رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي سيمثل أمام المحكمة هذا الشهر بتهم فساد لعقد صفقة مع منافسه والبقاء في السلطة لـ18 شهرا آخر.
وأعلنت بولندا المعروفة بـ”قانون التكميم” الذي يمنع القضاة من انتقاد الحكومة أو إحالتهم على التقاعد، عن انتخابات ستجرى الأحد المقبل عبر البريد، وهي عملية يخشى الكثيرون أنها ليست ديمقراطية. وقالت نائبة رئيس المفوضية الأوروبية فيرا جوروفا: “لو كنت مواطنا بولندياً فسيكون لدي عدة أسئلة، خاصة أنني أرغب بعملية انتخابية منصفة” و”علينا عدم الإغلاق على حقوقنا الأساسية ويجب ألا يقتل الفيروس الديمقراطية”.
ويمثل الإغلاق فرصة جيدة للرجال السيئين في العالم للإفلات من أفعال تدعو للشجب العام. ولم تكن مصادفةً إرسال الصين حاملة طائرة قريبا من شاطئ تايوان وإلى المنطقة المتنازع عليها في بحر الصين الجنوبي واعتقال الناشطين الداعين للديمقراطية في هونغ كونغ.
ولم تكن مصادفةً أيضا إطلاق إيران أول قمر صناعي عسكري، أو قرار حكومة سيريلانكا الجديد بالعفو عن رقيب بالجيش متهم بارتكاب مجازر أثناء الحرب الأهلية، حيث استغلت حالة حظر التجوال لمدة اسبوع، ولم يكن هناك من يستطيع الاستئناف على الحكم لأن المحاكم مغلقة.
ولا عملية تدمير الغابات في الأمازون تحت حكم منكر فيروس كورونا، جايير بولسانارو. أو قيام حكومة بورما بهجمات جديدة على ما تبقى من مسلمي الروهينجا.
وعبّر توم تاغيندات، النائب المحافظ الذي يترأس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس العموم البريطاني عن غضبه من غياب ردة الفعل الدولية، ومن يقوم عادة بالاحتجاج تم إسكاتهم. وتم استخدام القوانين لحظر الأخبار الكاذبة عن فيروس كورونا لاستهداف النقاد في كمبوديا وتايلاند، فيما جرّمت حكومة زيمبابوي القعمية نشر “الأخبار المضللة” وفرضت حكما على من يدان فيها 20 عاما.
ومنعت حكومات إيران واليمن والأردن وعمان والمغرب توزيع النسخ المطبوعة من الصحف بحجة نشرها فيروس كورونا.
ويعتقد البعض أن استخدام الوباء للسيطرة على السلطة قد يترك آثارا عكسية. وقال دكتور نيك ويستكوت من الجمعية الملكية الأفريقية: “التوجه في أفريقيا هو أن الدول التي لم تستطع الوفاء بطموحات السكان الشباب والناس يريدون إسماع صوتهم كما شاهدنا بالإطاحة بنظامي الجزائر والسودان” و”أعتقد أن فيروس كورونا زاد من هذا. وستدفع الأنظمة التي تحاول استغلال الأزمة ثمنا باهظا”.
فيما يرى البعض أن الأمر يعتمد على أي نظام كان قادرا على معالجة الوباء “كانت آخر أزمة عالمية أكبر مما نمر به الآن هي الحرب العالمية الثانية” كما يقول ياساتشا ماونك من جامعة جونز هوبكنز و”تلك النتيجة تركت أثرا عميقا على سياستنا لجيلين من خلال نزع الشرعية عن الفاشية وتأكيد سيادة الديمقراطية الليبرالية”.
القدس العربي